الليلة نزل على الجوعي ودنا من قصر ابن عقيل، فزحف إليه يريد ضربه، وكان القصر منيعًا ولا يخشى عليه إلا من المدافع أن تثلم جدره، فهم ابن رشيد في صباح تلك الليلة بالهجوم عليه ولكن سبقه بنوا سعود إليه وأرسلوا يخبرون عبد العزيز، ولما أن وصل ابن رشيد إلى القصر ركب في الحال مدافعه كلها عليه، وشرع يضرب القصر، فلما جاء الخبر إلى ابن سعود ظهرًا وإن ابن رشيد حصر قصر بن عقيل، صاح برجاله قائلًا، انهزم ابن رشيد ونريد أن نعمل مناورة خارج البلدة فاستبشروا وأخرجوا للمناورة فكشف لهم عن قصده الحقيقي، وأمرهم بالزحف إلى قصر ابن عقيل فترددوا لأنهم لم يكونوا متأهبين للرحيل وما معهم ماء، ولا زاد وكان ذلك في الساعة الأخيرة من النهار والمسافة بينهم وبين القصر قد عشرين ميلًا، فخطب فيهم ابن سعود محرضًا مستنهضًا، ثم قال أنا واحد منكم ومثلكم أنتم خاشون وأنا أخشى، أنتم حفاة وأنا والله لا أنتعل، وهذا نعلي وهذا نعلي، وهذا ذلولي قال ذلك وهو يضع النعل في الخرج ويلقي بحبل الذلول على غاربه، ثم مشى أمامهم حافيًا فمشوا ورائه متحمسين وعندما وصلوا إلى القصر قبل نصف الليل بساعة أرادوا أن يهجموا على ابن رشيد في ذلك الحين، فمنعهم عبد العزيز لعلمه بما حل بهم من التعب والجوع، فدخلوا القصر واستراحوا تلك الليلة.
أما ابن رشيد فبعد أن شغل مدافعه على القصر بضع ساعات بدون طائل، رحل في صباح اليوم 18 بعد ما وصل ابن سعود قصر ابن عقيل، فلما رآه ابن سعود يرحل إبله ويحمل أطوابه أمهل حتى مشى برجاله والعساكر، ثم إنه خرج بخيله وجنده واتبع ساقتهم بجيوشه للمفاجأة فأدركوهم في وادي الرمة، وكان هذا الوادي لا يوجد في جزيرة العرب مثله في الطويل بحيث يخترق القصيم يمتد شرقًا من حرة خيبر إلى الرس ثم شرقًا بشمالي إلى البصرة وهو بين البصرة وهو بين عنيزة وبريدة وكذلك البكيرية والخبراء والشنانة واقعات على ضفافه، وكذلك الشحية والجبل ممتد هناك بضعة وخمسي ميلًا من الرس، فجرى على ابن رشيد في هذا الوادي ملحمة فاصلة.