ثم إنه نشأ مع الفتى هذا عبيد صغار مثله في الشباب والفتوة، لاعبوه صغارًا وحفظوه بالحراسة كبارًا، فكانوا أكثر جنده له إخلاصًا وأعظم عنه دفاعًا، وهؤلاء العبيد هم الذين قال عنهم رسول ابن رشيد لسيده إنه قد شغلهم بالمصارعة والمغالبة، ولما تم له خمسة عشر سنة اختارت له والدته قدس الله روحها فتاة عربية يتزوجها، وكان والده في فاقة يشق عليه زواجه، فتأخر الزواج حتى قدم تاجر نجدي فعرض ما لديه من مال ينفق في عرس الفتى عبد العزيز، فأفضى هذا العمل إلى حزن عميق ملأ قلب الوالد أسًا وحزنًا، ولكنه تقبل الأمر الواقع رحمة الله عليه، ولما تزوج الابن تلك الزوجة شاء الله عز وجل أن لا يستمر ابن سعود مع زوجه أكثر من ستة أشهر فطواها الموت، فالتاع لفقدها وموتها لوعة هدت من صحته ثم تعاقبت الأيام والشهور على هذه الفاجعة، ثم تزوج الفتى من امرأة ثانية، فوهب الله له منها غلامًا سماه تركي وهو بكره ويكنى به، وقد سرّ به والده الإمام عبد الرحمن كل السرور.
كان سياسيًا ماهرًا ذا أناة وحلم ودهاء وذكاء، وكان ضخمًا تام الخلقة ساحرًا بكلامه يكلم الناس على قد عقولهم ومراتبهم، فيعامل المشايخ العلماء بالبحث والتدقيق بحيث لا يدع لقائل مقالًا في باب العلم، ويكلم الملوك والوزراء على حسب ما يقنعهم بسياسة حيرة بريطانيا والأمم الأخرى، ذلك لسعة عقله ومعرفته وغوره وبعد نظره، فكان عقله كاملًا ورأيه سديدًا، أضف إلى ذلك قوة في الدين وطهارة في عرضه، فما قارف فاحشةً مرةً قط.
وقد جعل الله له محبة في القلوب عظيمة، ذلك بأنه جلو الحديث، جميل المخالطة، لطيف المعاشرة، محب للحديث، راغب في المعرفة، طالب للعلم، مكرم العلماء وأهل الدين والفضل والأدب.
وكثيرًا ما يجلس لأصدقائه وأنصاره يحاورهم ويحدثهم ويجادلهم ويجادلونه وهو