والحزم، فعلى الملك أن يأخذ بالحزم وينتهز الفرص ولا يغفل أمر العدو حتى يستفحل، فإن إطفاء الشرارة أهون من إطفاء الحريق، ولقد أحسن زهير بن أبي سلمى حيث يقول في معلقته التي لا يزال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلهج بها:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
وفيها وقفت الحرب بين الدولة العثمانية وروسيا، وذلك لأنها لما رأت الدولة العثمانية أن أوربا ضدها وأن لا نصيب لها بين الدول وأن إطالة الحرب مضرة بها، طلبت من روسيا إيقاف الحرب وعقد هدنة للمخابرة في شروط الصلح، فقبلت روسيا ذلك بغاية الامتنان وعقدت الهدنة بين المتحاربين في [أدرنة] بتاريخ 30 يناير سنة 1878 م.
واشترطت روسيا عند عقد الهدنة أن القواعد الأولية للصلح يجب أن تكون استقلال المغرب ورومانيا وتنازل الدولة العثمانية لهما وللجبل الأسود عن بعض الأراضي، وجعل بلغاريا مستقلة استقلالًا إداريًا وجعل الإدارة في البوسنة والهرسك مستقلة، وتقدير غرامة حربية تدفعها تركيا لروسيا.
وما انتشر خبر هذه الإتفاقية التي عقدت في [أدرنة] بين المتحاربين حتى هاجت الخواطر في النمسا ضد روسيا، ورأت حكومة الأمبراطور فرنسو جوزيف أن هذه الشروط التي جبرت روسيا الدولة العثمانية على قبولها ماسة بحقوقها ومصالحها في البلقان وعلى شواطئ نهر الدانوب، فأعلنت الدول الأوربية بأنها تعتبر كل اتفاق يقع بين المتحاربين لاغٍ لا عمل له، وأن أوربا كلها يجب عليها أن تجتمع في مؤتمر للفصل بين تركيا وروسيا.
أما أنكلترا فقد أظهرت عندئذٍ ميلها للدولة العثمانية وتظاهرت بالمحبة والصداقة لملك آل عثمان، وأرسلت بأسطولها إلى ميناء البوسفور وهددت روسيا بإنزال العساكر الإنكليزية إلى الأستانة.
وسيرى القارئ إلى أي غاية كانت ترمي إنكلترا عندئذٍ، وهل كانت صادقة في