ومن المناظر التي تولّد الحسرة وتحزن الفؤاد، رؤية شيخ هرم من الترك ملقى على الأرض إلى جانبه مصحف قد تلوث بدمه حتى ترك خمسة وسبعون ألف بيت خالية من السكان، وكان الأتراك شيوخًا وأطفالًا ونساءً يفرون فلا يستطيعون الفرار فينقض عليهم البلغاريون فيفتكون بأغلبهم حتى سميت بعض الطرق التي يفرون معها طريق الموتى لكثرة ما فيها من القتل.
استهلت هذه السنة والكلمة متفرقة والجماعة مختلفة والأحوال تنذر بشرها وويلاتها، فكان على الخرج أبناء سعود بن فيصل، وعلى بريدة حسن بن مهنا، وعلى عنيزة زامل بن عبد الله، وعلى الرياض وما يليه الإمام عبد الله بن فيصل ومعه أخوه محمد وعبد الرحمن، هذا وعلى ناحية جبل طي الأمير محمد بن رشيد وقد اشتعلت بروقه وصلفت رعوده، يريد الاستيلاء على نجد كلها فأصبح يخطب الملك لنفسه وما كانت حائل لتقنعه إماراتها ولكن أين من ينتبه له، فهل كان آل سعود نيامًا أم يقظانًا أم قد اختلفوا فيما بينهم حتى ينفذ فيهم المقدور، فإن كان الإمام عبد الله قد أطاع له أخواه واستقروا في الرياض فكانوا يدًا واحدة، ففي الجو مكدر فهؤلاء أبناء أخي الإمام في الخرج مصرين على الخلاف والعناد، وهذا الأمير بن رشيد قد طمع في نجد لما تضعضع ملك آل سعود، فقد خسروا القصيم وجبل طي والأحساء والقطيف وغالب بلدان الجنوب، فأنشأ الشيخ سليمان بن سحمان رحمة الله عليه قصيدةً يمتدح فيها الإمام عبد الله بن فيصل ويحرضه على الانتباه والأخذ بالحزم في كبح ابن رشيد وينهضه لانتهاز الفرصة، وأن لا يغفل أمر العدى فمن نام عن غنمه تولى رعيها الأسد وكيف تنام العين في السفينة وقد شرع العابثون في أكل أحبالها:
أدم بالعوالي الطعن في الضدان جدا ... وبالبيض قد للعدى تعتلي مجدا
ألا إنما العز الموطد والعلى ... بظل المواضي والطلا للعدى غمدًا
فما أوهن العدو سوى البيض والقنا ... وصيرهم الأبها آلة جندا