وأما مؤلفاته ورسائله فكانت منهلًا عذبًا يردها الموحدون، ويأخذ بها أهل المعرفة المتقون، فما هي إلا روضةٌ حفت بنور ربيعها تسرح فيها الأفكار، وتتمتع فيها الأنظار، لما لها من القبول عند الأتقياء والأخيار، وكانت مملؤة بالنكت والفوائد توحيدًا وفقهًا وأصولًا وفروعًا ونحوًا وصرفًا وغير ذلك من فنون العلم.
فمنها "مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام" وهو رده على المرتاب عثمان بن منصور لما أقذع في مسبة علم الأعلام ومشيد دعائم الإسلام ومردي عبادة الأوثان والأصنام، فقام هذا الملحد وألف مؤلفًا سماه جلاء الغمة عن تكفير هذه الأمة والمراد بالأمة عنده هم عبدة الأصنام، فنعوذ بالله من الحور بعد الكور، وانتصر فيه لعبادة الأصنام وذبّ عن أهلها وضلل أهل التوحيد وذمهم.
فلما جرى منه ذلك انتدب له هذا السميدع وأوهى شبهه وخزعبلاته وترهاته حتى عادت كنسيج العنكبوت وأصبح بنيانها في العرى ضعيف الثبوت وقطع كلما يتعلق به المبطل وأزال بالبراهين والدلائل كل مشكل، ونصب دبوس الحق على أم رأسه ليرتدع من هو من أجناسه ليعلم من في قلبه مرض أن في الحياض من يذود عنها وأن الحمى فيه من قعد بثغرة المرمى.
وكان رحمه الله قد بعث إليه رسالة قبل أن يتبين من أمره ما تبين، وقبل أن يتضح شأنه وتعين ما تعين، وقبل أن يظهر للناس حاله وتنتشر مصنفاته ويتلون بالخبث مقاله، لكنه قد يظهر من حاله ويلوح من صفحات وجهه وفلتات لسانه ما يغمص به، وتنسب إليه هفوات وشيء من البدع والمعضلات، فبعث إليه رسالة يحذره فيها من ورود تلك المعاطب وارتكاب ما يبدو منه من المثالب مع أنه تقدم له مقامات في الدين كشرحه لكتاب التوحيد وانتمائه إلى صالح العبيد، فيا له من رجل لو استقام، وصارم لولا ما عراه من الأنثلام، فلما تبين أمره