بجحر ضب، ثم قلنا لهم بلين كلام لنسلم من شرهم، ما أخذتم فهو كرامة لكم فإننا لا نسلم من الرسوم على الحدود فقالوا لي تقدم للقتل وجعلوه غرضًا على بعد عشرين مترًا واستسلم للقتل فأطلق عليه أحدهم البندقية فأصابت ما فوق أذنه خدشًا بسيطًا وقدموا الآخر فأصابت الرمية ما بين فخذيه وأصابت الثوب، فلما رأوهما سالمين قالوا يا جماعة هل فيكم أحد قريبًا لعيسى بن رميح، قال قلت نعم إنه عمي، فأجابوا يقولون له سلمتم فعندنا ملحة له وهذه عادة عند الأعراب فتركونا وأعطونا نعالنا والشمع التي استلبوها من رؤوسنا وفروا ذاهبين فكنا لا نملك زادًا ولا مزادًا، وقمنا ننظر يمنة ويسرة علنًا نجد أحدًا نستقي منه ماء، حتى نزلنا إلى موضع منخفض من الأرض فوجدنا أعرابًا من بينهم الأمير فبكينا في وجهه وطلبنا منه المساعدة على أولئك اللصوص، فلبى طلبنا وشد ومعه أربعة وعشرون فارسًا في طلب اللصوص وكان ذلك بين الصلاتين الظهر والعصر فما زلنا في طلب القوم حتى أشرفت الشمس على الغروب فلم يبق سوى نصف ساعة.
فقال لنا يا جماعة هذه حدودي ولا أستطيع تجاوزها، وأيضًا غربت الشمس فرجع بأربعة عشر من صحبه وطلبناهم بالمعروف أن يستمروا ولكنه رجع بثلة من أصحابه وبقي عشرة فقلنا لهم نرجو أن تبلغونا نقطة ابن مساعد في ذلك المركز على الحدود لا أقل ولا أكثر جزيتم خيرًا فاستحيوا وساروا معنا حتى وصلنا المركز، وكنا لما أشرفنا عليه رجعوا ولما أن وصلنا إلى المركز استقبلنا ابن عبد الواحد وروينا له القصة ونحن بحالة يرثى لها من التعب والجوع والمشقة ففكر قليلًا ثم قال أيا ليت فلانًا حاضر فإنه خوي طيب ولقد ذهب لحاجة ولكن فلانًا حاضر وفيه بركة إن شاء الله فبكينا أمامه وقلنا له تكفى يا ابن الحرة تكفى يا ولد البيضا وهذه نخوة عربية فدعا بالخادم والمري وأمرهما أن يستصحبا رشاشتين معبأتين فاستويا على صهوتي الخيل وقال لا ترجعوا إلا بهم.