وكان فتحها عن طلب من بعض الأهالي للحكومة بهذا الصدد وهنا معارضة من البعض لأنَّ المعارضين يرون عدم ذلك وأنَّه وسيلة إلى اختلاط النساء بالرجال والفتيات بالبنين كما جرى في بعض الأمصار. قال بعض العلماء: لتعلم أيها الرجل المحافظ على الحفاظ أن الأمة إذا تركت تقاليدها أو تجاهلت حالة الأجانب في أمورهم وجرت معهم في اتباع المشيء من عاداتهم لم يمض عليها قليل من الزمن إلا وهي أثر بعد عين وانمحت معالمها أو ضاعت مدنيتها. أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّه قال: قالت النساء للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهنَّ يومًا يجتمعن فيه فوعظهنَّ وأمرهنَّ فكان فيما قال لهنَّ: "ما منكنَّ امرأة تقدم ثلاثًا من ولدها إلَّا كانوا لها حجابًا من النَّار. فقالت امرأة: واثنين. قال: واثنين". فلو أن السفور كان مباحًا وكذلك الاختلاط بالرجال كما يزعمه بعض الناس في هذه الأيام لدعاهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حضور مجالس الرجال. ولما خصص لهنَّ يومًا خاصًّا بهنَّ حرصًا على كرامتهنَّ ومنعًا من الافتتان بهنَّ. وهو القائل - صلى الله عليه وسلم -: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". وهذا أبو العلاء المعري يوصي بالنساء فيقول:
علموهن الغزل والنسيج والرد ... ن وخلوا كتابة وقراءة
فصلاة الفتاة بالحمد والإخلا ... ص تجزي عن يونس وبراءة
فما أعظم الفارق بيننا إذ يدعو البعض منَّا إلى إخراج المرأة واختلاطها بالرجال ومزاحمتهم في كل الميادين وبين تلكم الأمة المجيدة الغيورة على أعراضها الحريصة على كرامتها، تلكم الأمة التي اختارها المولى عزَّ وجلَّ فجعلها {خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ثم وصفها بهذه الصفات {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، وبعث إليها أشرف الأنبياء والمرسلين، تلكم الأمة التي يقول شاعرها:
وحلت بيوتي في بقاع ممنع ... تخال به داعي الحمولة طائرا