أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}. فوقع الصلح بعدما خضعوا لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يجليهم ويكف عن دمائهم وأن لهم ما حملت الإِبل من أموالهم إلَّا الحلقة وقاموا يهدمون بيوتهم حسدًا للمسلمين ويحملون أبوابها وأخشابها إلى الشام. وكذلك ما وقع من يهود بني قريظة لما انضموا إلى الأحزاب ونكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وحاربوا الله ورسوله فحاصرهم - صلى الله عليه وسلم - بعدما انفك الأحزاب وهزمهم الله حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ بأن تقتل معَاملتهم وتُسْبى ذراريهم وتغنم أموالهم. فأبادهم - صلى الله عليه وسلم - بالسيف ودفنوا بأخاديد حُدَّثْ لهم في المدينة. وهكذا ما زالوا مشردين ومطرودين ولكنهم لا يزالون يسعون في الأرض بالفساد ويكيدون للإِسلام. وقد دخلوا فلسطين حينما كانت يسكنها الكنعانيون مع يوشع بن نون بعد أن عصوا نبي الله موسى - صلى الله عليه وسلم -. ثم جاءهم عهد داود عليه الصلاة والسلام الذي انتصر على جالوت وجنوده الكنعانيين، وتلاه عهد نبي الله سليمان بن داود فأظهر القوة عليهم باستمرار. فهذه العادة في معاملة اليهود منذ أن وجدوا قوم لا يجدي معهم غير القوة وبها وحدها يمكن السيطرة عليهم.
وبعد وفاته دب الخلاف بينهم كما ذكره الله عنهم بقوله: {وَأَلْقَينَا بَينَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}. ولما زادوا في عصيانهم سخر الله عليهم الدول المجاورة كالأشوريين والكلدانيين وغيرهم فقضوا عليهم وشتتوا شملهم. وبعد زوال اليهود استولى الفرس على فلسطين ثم اليونان والرومان الذين طردوا بقيتهم من فلسطين وشتتوهم لسوء أعمالهم وخبث نواياهم. ولمَّا جاء الإِسلام وفتح الله الشام على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الخليفة الراشد استسلمت اليهود ووضعت عليهم الجزية وسمح المسلمون لهم بأن يعيشوا في فلسطين رعايا مواطنين في ظل السيادة الإِسلامية. وهكذا