البشع وخشيةً من الفوضى فلم أعبأ بتهديداته، فلما رأى ذلك فرّ عن صاحبه وفرَّ الحاضرون، جاءت الأم إلى ولدها فوقعت عليه كطائر قد رمي فوقع، ولما رمت بنفسها عليه جعلت تقبله وتمسح عنه الدم والتزمته تبكي وتقول: يا عبد الله بسم الله عليك ثم أقامته بعضديه حتى اعتدل قائمًا، غير أن ظهره قد أصيب بعشرين طعنة من خنجر المعتدي، وكان الدم يجري على عقبيه، وولت به إلى مركز التفتيش الذي لا يتجاوز قدرًا من مسافة كيلو متر، وبينما هي تهدئه إذ جاء إعرابي جلف غليظ عليه ثوب وسخ له أردان وقد أعطي بسطة في الطول يحمل قناة (?) كأنها رأس بعير، فأراد أن يحول بينها وبين المركز، وله وثبة كوثبة الأسد، وجعل يقول لنا يا حجاج إنهم أبنائنا يتخاصمون ويصطلحون هذا والمرأة تستعيذ وتقول لنا احجزوه فينهم يريدون القضاء على ابني، فبتوفيق الله تمكنا من رده عن المرأة وابنها وعاد خاسئًا حيث لا ندري أين ذهب.
ومن عجيب ما رأيت أننا لما نزلنا من الريع إلى الميقات السيل انكسرت السستة أي أضلاع الحديد التي تكون مؤخر السيارة حوالي الكفرات، فأقمنا لذلك آخر النهار 17 ذي القعدة، فصلينا المغرب وقد اشترينا شاة للذبح فضاعت بين تلك الجبال في وقت الصلاة فذهب بعض الرفقة وضربوا يمنةً وشرة لطلبها حتى اهتدوا إلى خيمة أعراب بين تلك الحجارة فسألوهم عنها وألقوا التبعة عليهم، وأنثوا راجعين، وبينما تشد الرحل للسير إذا بأعرابي جاء بالشاة من مسافة ثلاثة كيلو مترات يقودها بحبل في رقبتها وسلمها إلينا.
تالله إنها لغريبة عجيبة، فمنذ عشرين سنة والحجاج كانوا صيدًا للحرامية ولا يدري الإنسان متى يختطف بعيره، متى يختطف رحله وتنهب الأواني والقدور وهي فوق ظهور الأبل، وهذه السنة يؤتى بعنز من أقاصي جبال الحجاز تقاد بالليل