كان قصير القامة، قليل اللحم، يخضب لحيته بالحناء بعدما علاها الشيب، ويظهر من وجهه البشر ويبرق بالسرور والطلاقة، ليس بالعبوس ولا المقطب، وكان أصله من القرائن ثم انتقل بعض أسرته إلى القرعاء القرية التابعة لبريدة، وكنت أظن أن نقله من الحجاز لأن الجو لم يوافق له هناك.
كان الشيخ عبد الله بن بليهد من أعظم المقربين عند الملك عبد العزيز، وكثير المناصحة له، إذ هو المقدم على رأس المجتمعات العظيمة، ولما كان في بعض الأيام دعى صاحب الجلالة بالعلماء واستوفدهم إليه في الرياض، وجعل يشكو زهد الناس في العلم وطلبه وأنه لا يطلب العلم إلا متعطل الأسباب كأعمى وقاصر في أمور الدنيا، فأجابه الشيخ عبد الله بقوله: نعم يا طويل العمر وما بال أهل العلم لا يكون عددهم قليل وهم لا يجدون الكفاية في أمر معيشتهم، فلو كان لديهم كفاية لفرغوا أوقاتهم للطلب، وأكبوا على الدراسة، وحصلوا على معلومات كثيرة، فلما أصبح طالب العلم فقيرًا لا يجد ما يسد به حوائجه وحقيرًا لدى الناس ضيق المعيشة، لا يجد ما ينفقه على نفسه ولا على أهله، فإن أعطيتموه شيئًا من بيت المسلمين فإن حقه نذر يسير، وإن حضر فإنه في آخر المجالس لا يلتفت إليه ولا يراعى ولا يقرب، كانت بضاعة العلم كاسدة بين الناس ولا يصبر على مكابدة مرارته إلا أفذاذ الرجال، فإذا أحببتم العلم وأردتم أن ترفعوا مستواه فأسسوا مدارس ومعاهد وشجعوا الطلاب بالمكافات الشهرية، وأكرموا العلماء وقدروهم وارفعوا من شأنهم، وجعل يحث على رفعة العلم والعلماء وإكرام العلم، وطلب من صاحب الجلالة تأسيس مدرسة كبرى لطلاب العلم في بريدة تكون دارًا للحديث والعلوم الدينية، وأن يصرف لأهلها كفاية من المطعم والمشرب واللبوسات، وأن يكون الشيخ عمر بن سليم إمامًا في مسجد وسط البلد وأشياء طلبها، فبادر الملك إلى ذلك وأسست هذه المدرسة حوالي سنة 1345 هـ ولكنها لم تنتظم والقصد من هذه المدرسة أن تكون مأوى