ذكر الروايات عن الصحابة التي تنصُّ على علة كراهتهم لكتابة ما سوى القرآن، ويلخِّص تلك العلة بقوله: "فقد ثبت أن كراهة من كره الكتاب من الصدر الأول إنما هي لئلا يضاهى بكتاب الله تعالى غيره أو يشتغل عن القرآن بسواه ونُهي عن كتب العلم في صدر الاسلام وجِدَّتِه لقلِّة الفقهاء - في ذلك الوقت - والمميِّز بين الوحي وغيره؛ لأن أكثر الأعراب لم يكونوا فقهوا في الدين، ولا جالسوا العلماء العارفين، فلا يؤمَن أن يُلحِقوا ما يجدون من الصحف بالقرآن ويعتقدوا أنَّ ما اشتملت عليه كلام الرحمن". 1

ويضيف في مطلع الفصل الثانى من القسم الثانى أسباباً أخرى للنهى أو الامتناع عن الكتابة فيقول: "وأمر الناس بحفظ السنن، إذْ الإسناد قريب، والعهد غير بعيد، ونُهي عن الإتكال على الكتاب لأن ذلك يؤدي إلى اضطراب الحفظ حتى يكاد يبطل، وإذا عُدم الكتاب قوي لذلك الحفظ الذي يصحب الإنسان في كل مكان ولهذا قال سفيان الثوري: (بئس مستودع العلم القراطيس".

وكان سفيان يكتب؛ أفلا ترى أن سفيان ذم الإتكال على الكتاب وأمر بالحفظ وكان مع ذلك يكتب احتياطاً واستيثاقاً، وكان غير واحد من السلف يستعين على حفظ الحديث بأن يكتبه ويدرسه من كتابه، فإذا أتقنه محا الكتاب خوفاً من أن يتكل القلب عليه فيؤدي ذلك إلى نقصان الحفظ وترك العناية بالمحفوظ. 2

طور بواسطة نورين ميديا © 2015