وروى الطحاوي رحمه الله تعالى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أيضا نحوه بنصه.
وقال الخطابي في كتابه «معالم الحديث» إنما جاء هذا الحديث في نوع ما تتعلق به أحكام الشريعة في حقوق الله سبحانه، دون ما يتعامل به الناس في بياعاتهم وأمور معايشهم. وقوله صلّى الله عليه وسلم: الوزن وزن أهل مكة، يريد وزن الذهب والفضة خصوصا دون سائر الأوزان، ومعناه: أن الوزن الذي يتعلق به حقّ الزكاة في النقد وزن أهل مكة. وأما قوله: والمكيال مكيال أهل المدينة، إنما هو الصاع الذي يتعلق به وجوب الكفارات، ويجب إخراج صدقة الفطر به، ويكون تقدير النفقات وما في معناها بعياره، والله أعلم.
وقال الطحاوي: المعنى في ذلك: لأن مكة لما كانت أرض متجر تباع فيها الأمتعة بالأثمان، ولم يكن بها حينئذ ثمرة ولا زرع، وكذلك كانت قبل ذلك الزمان، ألا ترى إلى قول إبراهيم: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ وكانت المدينة بخلاف ذلك، لأنها دار النخيل وفيها الزرع، فكان جلّ تجارتهم في المكيل دون الموزون، جعل النبي صلّى الله عليه وسلم الأمصار كلها لهذين المصرين أتباعا فيما يحتاجون إليه من الكيل والوزن. قال: ولما كانت السنّة قد منعت من إسلام موزون في موزون، ومن إسلام مكيل في مكيل، وأجازت إسلام الموزون في المكيل، والمكيل في الموزون، ومنعت من بيع الموزون بالموزون إلا مثلا بمثل، ومن بيع المكيل بالمكيل إلا مثلا بمثل، كان الأصل في الموزون ما كان حينئذ يوزن بمكة، وكان الأصل في المكيل ما كان حينئذ يكال بالمدينة لا يتغير عن ذلك وإن غيّره الناس.
وقال الفقيه أبو العباس العزفي رحمه الله تعالى في كتابه «إثبات ما ليس منه بد لمن أراد الوقوف على حقيقة الدينار والدرهم والصاع والمد» : فوجب على كلّ من دان بهذه الملة وتعبد بهذه الشريعة البحث عن كيل أهل المدينة فيما جرت العادة بكيله، وعن وزن أهل مكة فيما استمر العرف بوزنه.