الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلاة الله وسلامه على نبينا محمد سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
فهذه هي الطبعة الثالثة من كتاب ((تخريج أحاديث وآثار كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب -رحمه الله-)) استدركت فيها الأخطاء المطبعية التي وقعت في الطبعتين السابقتين كما أضفت تخريجات يسيرة على بعض الأحاديث والآثار.
ولا يفوتني هنا أن أردَّ على شبهتين ذكرهما بعض الناس نصحاً أو تشغيباً على الكتاب أو المؤلِّف، الأولى تقول: إنَّ كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب -رحمه الله- مليء بالأخطاء العقدية والضلالات المنهجية، وأنَّ تخريج أحاديثه يزيد من شهرته ومن عدد مقتنيه. والثانية تقول: إنَّ من الخيانة العلمية أن يتصدر المؤلِّف لتخريج أحاديث الكتاب دون التطرق إلى أخطائه العقدية والردِّ عليها.
وللردِّ على هاتين الشبهتين أقول:
أولاً وباديء ذي بدء أقول: نعم! إنَّ في كتاب "في ظلال القرآن" أخطاء عقدية تخالف منهج أهل السنة والجماعة وخاصة في مسائل صفات الله عزَّ وجلَّ ولا يقرُّه عليه سلفي، ومنكر ذلك جاهلٌ أو مكابرٌ متعصبٌ، أمَّا الشبهة الأولى فكأن قائلها ليس على دراية بفعل السلف ومن تبعهم من المعاصرين الذين كانوا يعتنون بتخريج أحاديث ما اشتهر من الكتب وإن كانت فيها أخطاء أو زلات، طالما أنَّ الشهرة سبقت التخريج، وما فائدة تخريج كتاب مغمور لا يعرفه أحد؟! وهؤلاء الذين يتفوهون بهذا القول لا يعرفون الحكمة من التخريج، ولا يعلمون أنَّ المؤلف قبل أن يشرع في تخريج كتابٍ ما ينظر في أهمية هذا الكتاب وكم من الخلق سيستفيد من تخريجه هذا؟ وانظر على سبيل المثال ما قام به كلٌ من ابن الملقن والزيلعي وابن حجر في تخريجهم لكتاب "الشرح الكبير" للرافعي لما له من شهرة في المذهب الشافعي، وانظر إلى صنيع ابن حجر ومن قبلِه الزيلعي اللذين قاما بتخريج أحاديث "الكشاف" للزمخشري الذي ذاع صيته في الآفاق، وإلى صنيع الحافظ العراقي وابن السبكي والزبيدي في تخريج أشهر كتاب في زمانهم على كثرة انحرافاته وضلالاته أعني كتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي، وانظر إلى صنيع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- كيف كان ينتقي أشهر الكتب المعاصرة وأكثرها تداولاً وطباعة وإن لم تكن أصفاها وأصوبها منهجاً؛ فقد خرج -رحمه الله- أحاديث كتاب "الحلال والحرام" للدكتور يوسف القرضاوي، وكتاب "السيرة النبوية" للشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- فهل أثنى عزمه ما فيهما وما عند مؤلفيهما من أخطاء؟! أو قال إنَّ تخريجي لأحاديث هذين الكتابين إشهاراً لهما مع أنه لا يخفى أثر تخريج الشيخ -رحمه الله- لكتابٍ ما.
أمَّا الشبهة الثانية فتقول: إنَّ تخريج أحاديث الكتاب دون التطرق إلى الأخطاء التي فيه يُعد خيانة علميَّة، وهذا فيه ما فيه من الظلم والتجني، وإن كنت أرى أن التعقيب على أخطاء كتابٍ ما وخاصة العقدية أولى وأفضل، لكن إذا لم يشترط المؤلف هذا على نفسه ولم يتفرغ له فكيف يعد ذلك خيانة علميَّة؟! وكم من كتاب فيه أخطاء عقدية أو فقهية قام بتخريجه علماء أفاضل ولم يتعقبوه بشيء أو تعقبوا شيئاً وتركوا أشياء، ومن ذلك على سبيل المثال: تخريج الحافظ ابن حجر العسقلاني لأحاديث "الكشاف" للزمخشري -المعتزلي- ومعروفٌ عداوة الأشاعرة للمعتزلة وكثرة ردودهم عليهم ومع هذا لم يتعقب ابن حجر الزمخشريَ في أخطائه وضلالاته الاعتزاليَّة، ومن قبله الحافظ الزيلعي لم يتعقبه بشيء ولا محققه الشيخ سلطان الطبيشي ولم ينكر ذلك مقدم الكتاب الشيخ عبد الله السعد، وهكذا صنع الحافظ العراقي والزيلعي مع الغزالي في إحيائه، وانظر إلى صنيع الشيخ الألباني -رحمه الله- في تخريجه لشرح ابن أبي العز الحنفي للعقيدة الطحاوية فهو لم يتعقبه في شيء بل ولم يتعقب الإمام الطحاوي رغم وجود مسائل تخالف منهج أهل السنة والجماعة في المتن والشرح وإن كان جزاه الله خيراً وفَّى أو كاد في التعليق على الطحاوية لكنه في تخريجه للشرح لم يعقِّب بشيء، وما كل مقتنٍ للشرح لديه التعليق، ثم إن التعليق على المتن وليس على الشرح. والأمثلة كثير وفي هذا كفاية لكل منصف.
وفي الختام أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يأخذ بأيدينا إلى ما يرضيه، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.