وشرّهم قد كثر على وجه الأرض فأسف الله إذ خلق آدم على الأرض فقال: لأزيلن ما على الأرض من البشر والأنعام والدواب وطير السماء؛ لأني قد ندمت على خلقي إيّاهم"1. فوصفوا ربّهم تعالى بالأسف والندم الدالين على غاية النقص والجهل بالعواقب ثم أنكروا النسخ وهو ضدّ البداء، إذ النسخ أمر بمصالح العباد في أوقاتهم وأحوالهم.
وقد حكوا في توراتهم ما هو أقبح من البداء صريحاً فرووا في السِّفر الأوّل من التوراة: "أنه لما نظر بنو الله بنات الناس حساناً ونكحوا منهم ما أحبوا قال الله: لا تسكن الروح بعدها في بشر ولتكن أيامهم مائة وعشرين سنة"2. / (2/49/أ) فهذا إخبار من الله أنه لا يعمر بشراً أكثر من مائة وعشرين سنة ولا يسكن الروح في بشر، ثم نصت التوراة بعد هذا القول أن أرفخشد عاش من بعد ما ولد له شالح أربعمائة وثلاث سنين3. وعاش رعوا من بعد ما ولد ساروج مائتي سنة وسبع سنين4. وعاش إبراهيم مائة سنة [وخمساً وسبعين] 5 سنة6. وعاش إسحاق مائة سنة وثمان سنة7. وجماعة كثيرة عُمّروا أعماراً تزيد على ما حكوه عن الله تعالى. وهذا أشدّ من البداء لأنه كذب في الأخبار. وإذا كان هذا [جائزاً] 8 عندكم معشر اليهود فكيف تمنعون النسخ وتتعللون9 بأنه بداء من الله؟!!.