قالوا: فأي حجة أبين أو دليلاً أوضح من هذا؟!
والجواب: عن ذلك من وجوه:
أحدها: لا نسلم أن دواد عنى بذلك المسيح بل لم يعن إلاّ نفسه، والكلام يحمل على المعنى حيث أعوز حمله على اللفظ، وكأنه عليه السلام كَنَّى بذلك عما هو بصدده من قتال المشركين ومنازعة أعداء الدين وجبابرة فلسطين، وكأنهم / (1/173/ب) لطول حروبهم وموالاة شرورهم فعلوا هذه الأشياء، وداود أخبر بهذا المزمور عن نفسه فمَن أراد صرفه عنه إلى غيره فعليه إقامة الدليل.
قال مؤلِّفه: "بعد تبييض هذه النسخة والفراغ سألت حبراً من أحبار اليهود عن قول داود: "ثقبوا يدي" بالمزمور، فأجابني بنحو ما ذكرته في الوجه الأوّل على الفور من غير توقف، فتعجبت من اتّفاقه لنصّ ما عندهم.
الوجه الثاني: نسلم أن داود لم يعن بذلك نفسه ولكن عنى غيره فبم تنكر النصارى أن ذلك المعنِيَّ رجلٌ كان قبل داود؟!. واللفظ يساعد عليه فإنه ذكره بلفظ الماضي فقال: ثقبوا يدي جعلوا في طعامي المرار، وذلك يشير إلى أمر قد وقع وفرغ منه، وإذا كان ذلك لم يصلح للاستقبال فلعلّ داود إنما أراد بالمزمور رجلاً من أسلافه الماضين كإبراهيم وموسى وغيره من الأصفياء فتألم بذلك تألم الولد البار لوالده وذوي رَحِمِه وعزَّى نفسه وسلاّها فيما ابتلى به من/ (1/174/أ) قتال كفار زمانه وملوك دهره.