والوجه الثاني: أن المسيح لم يقل: إني أقتل وأصلب وأدفن وأقيم في بطن الأرض هذه المدة كما تخرصه النصارى، إنما قال: إن ابن الإنسان يجري له ذلك، وابن الإنسان هو الذي يُشَبَّه لليهود بالمسيح؛ لأن المسيح على ما قررته وأوضحته فيما تقدم1.
وقد قلَّبت الإنجيل دفعات كثيرة وأنعمت النظر فيه فما وجدته قط أضاف ذلك إلى نفسه الكريمة ولا أورده إلاّ مضافاً إلى ابن الإنسان يعرف ذلك من وقف على الإنجيل.
والعجب من النصارى كيف يُنْزِلون ذلك على المسيح وهو [لا] 2 يرضون له بنوةإبراهيم وداود؟! فكيف يجعلونه ابن إنسان من عرض الناس؟!
والعجب أيضاً أنهم يصفونه بما وصفه به اليهود من حيث لا يشعرون؛ لأن غاية ما قال فيه اليهود أنه ولد يوسف النجار، فأي فرق بينهم وبين اليهود في ذلك / (1/170/أ) إذا اعترفوا أنه ابن الإنسان؟
وإذا كان المسيح عندهم إنما هو ابن الله - تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً - فلا يمكن أن يكون ابن الله يُقتل ويُدفن في الأرض بين الأموات، هذا مع وصفهم له في الأمانة: "فإنه إله حقّ من إله حقّ من جوهر الله". فإن صدقوا - وحوشوا من الصدق - فالذي قال المسيح: إنه يكون في قلب الأرض أيام وثلاث ليالٍ، إنما هو ابن الإنسان الذي هو إنسان حقّ من إنسان حقّ من جوهر أبيه آدم، وفي ذلك تكذيب لهم في دعوى قتل المسيح وصلبه.