وهو ربّ الكلّ الذي حرسك من غوائل الملكين «بل» و «هرثكش» فخلّني وما آثرته وارجع عني بسلام، قال اندر: فإذ أبيت إلّا مخالفتي فإنّي قاتلك ومهلكك، قال الملك: قد قيل إنّ الخير محسود والشر له ضدّ ومن تخلّى عن الدنيا حسدته الملائكة فلم يخل من إضلالهم إيّاه وأنا من جملة من اعرض عن الدنيا وأقبل على العبادة ولست بتاركها ما دمت حيّا ولا اعرف لنفسي ذنبا أستحق به منك قتلا فإن كنت فاعله بلا جرم منّي فشأنك وما تريد على أنّ نيّتي إن خلصت لله ولم يشب يقيني شوب لم تقدر على الإضرار بي وكفاني ما شغلتني به عن العبادة وقد رجعت إليها ولمّا اخذ فيها تجلّى له الربّ في صورة إنسان على لون النيلوفر الأكهب بلباس اصفر راكب الطائر المسمّى «كرد» في إحدى أيديه الأربع «شنك» وهو الحلزون الذي ينفخ فيه على ظهور الفيلة وفي الثانية «جكر» «1» وهو السلاح المستدير الحادّ المحيط الذي إذا رمي به حزّ ما أصاب وفي الثالثة حرز وفي الرابعة «بذم» وهو النيلوفر الأحمر، فلمّا رآه الملك اقشعرّ جلده من الهيبة وسجد وسبّح كثيرا فآنس وحشته وبشّره بالظفر بمرامه، فقال الملك: كنت نلت ملكا لم ينازعني فيه أحد وحالة لم ينغصها علّى حزن أو مرض فكأنّي نلت الدنيا بحذافيرها ثمّ اعرضت عنها لما تحققت ان خيرها في العاقبة شرّ عند التحقيق ولم اتمنّ غير ما نلته الآن ولست أريد بعده غير التخلّص من هذا الرباط، قال الربّ: هو بالتخلي عن الدنيا بالوحدة «2» والاعتصام بالفكرة وقبض الحواس إليك، قال الملك: هب أني قدرت على ذلك بسبب ما أهّلت له من الكرامة فكيف يقدر عليه «3» غيري ولا بدّ للإنسان من مطعوم وملبوس وهما واصلان بينه وبين الدنيا فهل غير ذلك؟ قال له: استعمل بملكك وبالدنيا على الوجه القصد والأحسن واصرف النيّة إليّ فيما تعمله من تعمير الدنيا وحماية اهلها وفيما تتصدّق به بل وفي كلّ الحركات فإن غلبك نسيان الانسيّة