كلّ أمر صدر عن مستهتر طبعا بالسياسة، مستحقّ بفضله وقوّته للرئاسة، ثابت الرأي والعزيمة، معان بدولة في الأخلاف بتركهم الخلاف بالأسلاف فقد تأكّد ذلك الأمر عند مأمور به تأكّد الجبال الرواسي وبقي فيهم مطاعا في الأعقاب على كرور الأيّام ومرور الأحقاب، ثمّ إن استند ذلك إلى جانب من جوانب ملّة فقد توافى فيه التوأمان وكمل الأمر باجتماع الملك والدين وليس وراء الكمال غاية تقصد؛ وقد كان الملوك القدماء المعنيّون بصناعتهم يصرفون معظم اهتمامهم إلى تصنيف الناس طبقات ومراتب يحفظونها عن التمازج والتهارج ويحظرون الاختلاط عليهم بسببها ويلزمون كلّ طبقة ما إليها من عمل أو صناعة وحرفة ولا يرخّصون لأحد في تجاوز رتبته ويعاقبون من لم يكتف بطبقته؛ وسير أوائل الأكاسرة تفصح بذلك فلهم فيه آثار قويّة لم يقدح فيه تقرّب بخدمة ولا توسّل برشوة حتى أنّ «أردشير بن بابك» عند تجديده ملك فارس جدّد الطبقات وجعل الأساورة وأبناء الملوك في أولاها، والنسّاك وسدنة النيران وأرباب الدين في ثانيتها، والأطبّاء والمنجّمين وأصحاب العلوم في ثالثتها، والزرّاع والصنّاع في رابعتها، على مراتب في كلّ واحدة منها تميّز الأنواع في أجناسها على حدة بحيالها، وكلّ ما كان على هذا المثال صار كالنسب إن ذكرت أوائله ونشبا «1» إن