عندهم من كبار الأشجار وأحرارها معكوسة الوضع، عروقها في العلوّ وغصونها في السفل قد غزر غذاؤها حتى غلظت وانبسط فروعها «1» وتشبّثت بالأرض فعلقت بها وتشابه في الجهتين فروعها وعروقها فاشتبهت، فبراهم من هذه الشجرة عروقها العليا وساقها «بيذ» وغصونها الآراء والمذاهب وأوراقها الوجوه والتفاسير وغذاؤها بالقوى الثلاث واستغلاظها وتماسكها بالحواسّ، وليس للعاقل سوى قطعها نفاس وقيع هو الزهد في الدنيا وزخارفها فإذا تمّ له قطعها طلب من عند منشئها موضع القرار الذي يعدم فيه العود، وإذا ناله فقد خلّف أذى الحرّ والبرد وراءه ووصل من ضياء النيّرين والنيران إلى الأنوار الإلهية؛ وإلى طريق «پاتنجل» ذهبت الصوفيّة في الاشتغال بالحقّ فقالوا: ما دمت تشير فلست بموحّد حتى يستولى الحقّ على إشارتك بافنائها عنك فلا يبقى مشير ولا إشارة، ويوجد في كلامهم ما يدلّ على القول بالاتّحاد كجواب احدهم عن الحقّ: وكيف لا أتحقّق من هو «أنا» بالإنّيّة و «لا أنا» بالأينيّة، إن عدت فبالعودة فرقت وإن أهملت فبالاهمال خففت وبالاتّحاد ألفت، وكقول ابي بكر الشبلي: اخلع الكلّ تصل إلينا بالكلّيّة فتكون ولا تكون إخبارك عنّا وفعلك فعلنا، وكجواب ابي يزيد البسطامي وقد سئل بم نلت ما نلت: إنّي انسلخت من نفسي كما تنسلخ الحيّة من جلدها ثمّ نظرت الى ذاتي فإذا أنا هو، وقالوا في قول الله تعالى «فقلنا اضربوه ببعضها» «2» : إنّ الأمر بقتل الميّت لاحياء الميّت إخبار أنّ القلب لا يحيى بأنوار المعرفة إلّا بإماتة البدن بالاجتهاد حتى يبقى رسما لا حقيقة له وقلبك حقيقة ليس عليه أثر من المرسومات، وقالوا: إنّ بين العبد وبين الله ألف مقام من النور والظلمة وإنّما اجتهاد القوم في قطع الظلمة الى النور فلمّا وصلوا إلى مقامات النور لم يكن لهم رجوع.