وقد حكينا عنهم أنّ في الديبات انهارا طاهرة كطهارة كنك، وفي كلّ موضع يوصف بفضيلة يعمل الهند حياضا تقصد للاغتسال، وصار ذلك لهم صناعة يبالغون فيها حتى أنّ قومنا اذا رأوها تعجّبوا منها وعجزوا عن صفتها فضلا عن عملها، فإنّهم يعملونها من صخور عظام جدّا شديدة الهندام مشدودة بأوتاد حديدة غلاظ درجا كالرفوف تدور الدرجة في جوانب الحوض على سمك أطول من قامة الرجل، ثمّ يعملون على الوجه الذي فيما بين الدرجتين مراقي كالشرف، فتصير الدرجات الأولى كطرق والشرف درجات، لو نزل نفر كثير وصعد آخرون لما التقوا ولما انسدّ عليهم طريق لكثرة الدرجات ويمكن الصاعد فيها من الانحراف الى غير التي ينزل عليها النازل، فيزول بذلك مشقّة الازدحام؛ وبالمولتان حوض يعبدون فيه بالاغتسال اذا لم يتعرّض لهم، وفي «سنكهت براهمهر» أنّ بتانيشر حوضا يقصده الهند من بعيد ويغتسلون بمائه، ويزعمون أنّ سببه زيارة مياه سائر الحياض المكرّمة ايّاه وقت الكسوف، وأنّ الاغتسال فيه لأجل ذلك ينوب عن الاغتسال في واحد واحد منها، ثمّ يقول حاكيا: ويقولون لولا أنّ الرأس هو كاسف النيّرين لما زارت الحياض ذلك الحوض؛ واشتهار الحياض بالفضيلة يكون إمّا باتّفاق أمر جليل فيها أو نصّ وارد في الكتب والأخبار، وقد ذكرت كلاما حكاه «شونك» ، ناقله الزهرة عن «براهم» أنّه خوطب به، وفي ذلك الكلام ذكر «بل» الملك وما سيفعله الى أن يغوّصه «ناراين» في الأرض السفلى، وفي ذلك الكلام: إنّي إنّما أفعل به ذلك ليزول ما يرومه من التساوي من الناس وليتفاضلوا في الحال فينتظم العالم بذلك ولينصرفوا عن عبادته الى عبادتي والإيمان بي، وكما أنّ تعاون المتمدّنين لا يكون إلّا مع التفاضل ليحتاج أحدهم الى الآخر كذلك خلق الله العالم مختلف الطباع متفاوت البقاع واحدة صرودا «1» وأخرى جروما «2» وواحدة طيّبة التربة والماء والهواء وأخرى سبخيّة أو عفنة آسنة الماء وبيّة الهواء، وكذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015