تنازع الناس في الصوفيّ واختلفوا ... قدما وظنّوه مشتقّا من الصوف
ولست أنحل هذا الاسم غير فتي ... صافي فصوفي حتى لقّب الصوفيّ
وكذلك ذهبوا إلى أنّ الموجود شيء واحد وأنّ العلّة الأولى تترايا فيه بصور مختلفة وتحلّ قوّتها في أبعاضه بأحوال متباينة توجب التغاير مع الاتّحاد، وكان فيهم من يقول: إنّ المنصرف بكلّيّته إلى العلّة الأولى متشبّها بها على غاية إمكانه يتّحد بها عند ترك الوسائط وخلع العلائق والعوائق؛ وهذه آراء يذهب إليها الصوفيّة لتشابه الموضوع، وكانوا يرون في الأنفس والأرواح أنّها قائمة بذواتها قبل التجسّد بالأبدان معدودة مجنّدة تتعارف وتتناكر وأنّها تكتسب في الأجساد بالخيرورة ما يحصل لها به بعد مفارقة الأبدان الاقتدار على تصاريف العالم ولذلك سمّوها «آلهة» وبنوا الهياكل بأسمائها وقرّبوا القرابين لها؛ كما يقول جالينوس في كتاب «الحثّ على تعلّم الصناعات» : ذوو الفضل من الناس إنّما استأهلوا ما نالوه من الكرامة حتى لحقوا بالمتألّهين بسبب جودة معالجتهم للصناعات لا بالإحصار والمصارعة ورمى الكرة، من ذلك أنّ «أسقليبيوس» و «ديونوسيوس» إن كانا فيما مضى إنسانين ثمّ إنّهما تألّها أو كانا منذ أوّل أمرهما متألّهين فانّهما إنّما استحقّا أعظم الكرامة بسبب أنّ أحدهما علّم الناس الطبّ والآخر علمهم صناعة الكروم؛ وقال جالينوس في تفسيره لعهود ابقراط: أمّا الذبائح باسم «اسقليبيوس» فما سمعنا قطّ بأنّ أحدا قرّب له ما عزا من أجل أنّ غزل شعره لا يسهل وأنّ الإكثار من لحمه يصرع لرداءة كيموسه، وإنّما يقرّبون ديكة كما قرّبها أبقراط «1» فإنّ هذا الرجل الإلهيّ اقتنى للناس صناعة الطبّ وهي أفضل ممّا استخرجه «ديونوسيوس» أعني الخمر و «ذيميطر» أعني الحبوب التي يتّخذ منها الخبز ولذلك تسمّى الحبوب باسم هذه «2» ، وشجرة الكرم باسم هذا؛ وقال