إنّما اختلف اعتقاد الخاصّ والعامّ في كلّ أمّة بسبب أنّ طباع الخاصّة ينازع المعقول ويقصد التحقيق في الأصول، وطباع العامّة يقف عند المحسوس ويقتنع بالفروع ولا يروم التدقيق وخاصّة فيما افتنّت فيه الآراء ولم يتّفق عليه الأهواء؛ واعتقاد الهند في الله سبحانه أنه الواحد الأزلي، من غير ابتداء ولا انتهاء المختار في فعله القادر الحكيم الحيّ المحيي المدبّر المبقي الفرد في ملكوته عن الأضداد والأنداد لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء؛ ولنورد في ذلك شيئا من كتبهم لئلا تكون حكايتنا كالشيء المسموع فقط، قال السائل في كتاب «باتنجل» : من هذا المعبود الذي ينال التوفيق بعبادته؟ قال المجيب: هو المستغني بأوّليّته «1» ووحدانيّته عن فعل لمكافاة عليه براحة تؤمّل وترتجي أو شدّة تخاف وتتّقي، والبريء عن الأفكار لتعاليه عن الأضداد المكروهة والأنداد المحبوبة، والعالم بذاته سرمدا إذ العلم الطارئ يكون لما لم يكن بمعلوم وليس الجهل بمتّجه عليه في وقت ما أو حال؛ ثمّ يقول السائل بعد ذلك: فهل له من الصفات غير ما ذكرت؟ ويقول المجيب: له العلوّ التامّ في القدر لا المكان فإنّه يجلّ عن التمكّن، وهو الخير المحض التامّ الذي يشتاقه كلّ موجود، وهو العلم الخالص