يجب أن نتصوّر أمام مقصودنا الأحوال التي لها يتعذّر استشفاف أمور الهند، فإما أن يسهل بمعرفتها الأمر وإمّا أن يتمهّد له العذر، وهو أنّ القطيعة تخفي ما تبديه الوصلة، ولها فيما بيننا أسباب: منها أنّ القوم يباينوننا بجميع ما يشترك فيه الأمم، وأوّلها اللغة وإن تباينت الأمم بمثلها ومتى رامها احد لازالة المباينة لم يسهل ذلك لأنّها في ذاتها طويلة عريضة تشابه العربيّة يتسمّى الشيء الواحد فيها بعدّة أسام مقتضبة ومشتقّة، وبوقوع الاسم الواحد على عدّة مسمّيات محوجة في المقاصد إلى زيادة صفات إذ لا يفرّق بينها إلّا ذو فطنة لموضع الكلام وقياس المعنى إلى الوراء والأمام، ويفتخرون بذلك افتخار غيرهم به من حيث هو بالحقيقة عيب في اللغة؛ ثمّ هي منقسمة إلى مبتذل لا ينتفع به إلّا السوقة، وإلى مصون فصيح يتعلّق بالتّصاريف والاشتقاق ودقائق النّحو والبلاغة لا يرجع إليه غير الفضلاء المهرة، ثم هي مركّبة من حروف لا يطابق بعضها حروف العربيّة والفارسيّة ولا تشابهها بل لا تكاد ألسنتنا ولهواتنا تنقاد لاخراجها على حقيقة مخارجها ولا آذاننا تسمع بتمييزها من نظائرها وأشباهها ولا أيدينا في الكتبة لحكايتها، فيتعذّر بذلك إثبات شيء من لغتهم بخطّنا لما نضطرّ إليه من الاحتيال لضبطها بتغيير النقط والعلامات وتقييدها باعراب إمّا مشهور وإمّا معمول؛ هذا مع عدم اهتمام الناسخين لها وقلّة اكتراثهم بالتصحيح والمعارضة حتى يضيع الاجتهاد