بسم الله الرحمن الرحيم إنّما صدق قول القائل «ليس الخبر كالعيان» لأنّ العيان هو إدراك عين الناظر عين المنظور إليه في زمان وجوده وفي مكان حصوله، ولولا لواحق آفات بالخبر لكانت فضيلته تبين على العيان والنظر لقصورهما على الوجود الذي لا يتعدّى آنات الزّمان وتناول الخبر إيّاها وما قبلها من ماضي الأزمنة وبعدها من مقتبلها حتّى يعمّ الخبر لذلك الموجود والمعدوم معا. والكتابة نوع من أنواعه يكاد أن يكون أشرف من غيره، فمن أين لنا العلم بأخبار الأمم لولا خوالد آثار القلم؟
ثمّ إنّ الخبر عن الشيء الممكن الوجود. في العادة الجارية يقابل الصدق والكذب على صورة واحدة وكلاهما لاحقان به من جهة المخبرين لتفاوت الهمم وغلبة الهراش والنّزاع على الأمم. فمن مخبر عن أمر كذب يقصد فيه نفسه فيعظّم به جنسه لأنّها تحته أو يقصدها فيزري بخلاف جنسه لفوزه فيه بإرادته، ومعلوم أنّ كلا هذين من دواعي الشهوة والغضب المذمومين. ومن مخبر عن كذب في طبقة يحبّهم لشكر أو يبغضهم لنكر، وهو مقارب للأوّل فإنّ الباعث على فعله من دواعي المحبّة والغلبة. ومن مخبر عنه متقرّبا إلى خير بدناءة الطبع أو