ويقول الشيخ الجليل عبد القادر الرائيفوري - أحد كبار المشايخ المعروفين في عصره - وهو يصف حال مربيه وشيخه عبد الرحيم الرائيفوري (م 1919م - الموافق 1337هـ): لقد رأيت الشيخ يقرأ القرآن الكريم، فكان يطيل قراءته في صلاة الليل أيما إطالة، فتارة يبكي، وإذا جاء ذكر العذاب، بكى واستغفر الله تعالى وتضرع إليه تضرعا عجيبًا يتمثل حال من يسأل العفو عن جريمته في ضراعة ولهف، وإذا جاءت آية فيها ذكر رحمة الله - عز وجل - استبشر وسرَّ تارة، وهدأ صامتا أخرى (?).
ومن نماذج الأعاجم الذين تأثروا بالقرآن واستفادوا منه استفادة عظيمة: شاعر الإسلام محمد إقبال.
يقول أبو الحسن الندوي:
لقد أثَّر (القرآن الكريم) في عقلية إقبال، وفي نفسه ما لم يؤثر فيه كتاب ولا شخصية، ولم يزل محمد إقبال إلى آخر عهده بالدنيا يغوص في بحر القرآن، ويطير في أجوائه، ويجوب في آفاقه، فيخرج بعلم جديد، وإيمان جديد، وإشراق جديد، وقوة جديدة.
وكلما تقدمت دراسته، واتسعت آفاق فكره، ازداد إيمانًا بأن القرآن هو الكتاب الخالد، والعلم الأبدي وأساس السعادة، ومفتاح الأقفال المعقدة، وجواب الأسئلة المحيرة، وأنه دستور حياة، ونبراس الظلمات.
ولم يزل يدعو المسلمين وغير المسلمين إلى التدبر في هذا الكتاب العجيب، وفهمه، ودراسته، والاهتداء به في مشكلات العصر، واستفتائه في أزمات المدنية، وتحكيمه في الحياة والحكم، ويعتب على المسلمين إعراضهم عن هذا الكتاب، الذي يرفع الله به أقوامًا، ويضع به آخرين.
يقول إقبال:
إنك أيها المسلم لا تزال أسيرًا للمتزعمين للدين، والمحتكرين للعلم، ولا تستمد حياتك من القرآن رأسًا، إن الكتاب الذي هو مصدر حياتك ومنبع قوتك، لا اتصال لك به إلا إذا حضرتك الوفاة، فتُقرأ عليك سورة «يس» لتموت بسهولة. فواعجبا! قد أصبح الكتاب الذي أُنزل ليمنحك القوة يتُلى الآن لتموت براحة وسهولة (?).
ويقول: أقول لكم ما أؤمن به وأدين: إنه ليس بكتاب فحسب، إنه أكثر من ذلك، إذا دخل القلب تغير الإنسان، وإذا تغير الإنسان تغير العالم (?) ..
وبديع الزمان سعيد النورسي من نماذج الأعاجم الذين تأثروا بالقرآن تأثرًا بالغًا، وفاضت عليه معانيه، وكتب الكثير حولها في «رسائل النور» وحفظ الله به الإسلام في تركيا فترة سقوط الخلافة وتحويل تركيا إلى دولة علمانية ..
قبل أن يُقبل النورسي على القرآن إقبالاً صحيحًا كان يشعر بالحيرة، ويبحث عن مرشد روحي يسير وراءه، وأخذ يوازن بين كلام عبد القادر الجيلاني في كتابه «فتوح الغيب» وبين كلام أحمد السرهندي في كتابه «المكتوبات» ..
يقول رحمه الله: احترت كثيرًا، أأسير وراء هذا، أم أسير وراء ذاك؟ وحينما كنت أتقلب في هذه الحيرة الشديدة؛ إذ بخاطر رحمانيَّ يخطر على قلبي ويهتف بي: إن بداية هذه الطرق جميعها، ومنبع هذه الجداول كلها .. وشمس هذه الكواكب السيارة .. إنما هو القرآن الكريم، فتوحيد القبلة الحقيقي إذن لا يكون إلا في القرآن الكريم .. فالقرآن هو أسمى مرشد .. وأقدس أستاذ على الإطلاق ..
ومنذ ذلك اليوم أقبلت على القرآن، واعتصمت به، واستمددت منه.
صرفت كل همي ووقتي إلى تدبر معاني القرآن الكريم، وبدأت أعيش حياة «سعيد الجديد» .. أخذتني الأقدار نفيًا من مدينة إلى أخرى .. وفي هذه الأثناء تولدت من صميم قلبي معان جليلة نابعة من فيوضات القرآن الكريم ..