ويقول: هذا الكتاب يعرف الناس بربهم، على أساس من إثارة العقل، وتعميق النظر، ثم يحول هذه المعرفة إلى مهابة لله، ويقظة في الضمير، ووجل من التقصير، واستعداد للحساب (?).

إعادة ترتيب الأولويات:

من هنا نقول بأننا لا نريد الاستغناء بالقرآن عن السنة، أو عن كتب العلم المختلفة، ولا نريد الانشغال بغير القرآن على حساب القرآن، بل نريد الأمرين معًا، على أن يُعطي القرآن الأولوية في الاهتمام والرعاية، ليتحقق الهدف الذي من أجله أنزله الله عز وجل {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ - يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].

كلمة أخيرة عن الصحابة والقرآن:

إن أكثر أجيال الأمة إدراكًا لقيمة القرآن هم جيل الصحابة، فقد عاشوا الحياة قبله، وعاشوها بعده، لذا فقد أدركوا - أكثر من غيرهم - معنى السعادة الحقيقية، والربانية، والتغيير .. ويكفيك في ذلك حزنهم على انقطاع الوحي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: انطلق بنا إلى أم أيمن، نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها .. فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكى أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكني أبكى أن الوحي قد انقطع من السماء! فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها (?).

من هنا ندرك أهمية صيحات التحذير التي أطلقوها، والوصايا التي كانوا يوصون بها من بعدهم حول القرآن.

فهذه الوصايا كانت تنطلق من استشعارهم للقيمة العظيمة للقرآن، وكانت تنطلق كذلك من خوفهم من عدم إدراك الأجيال اللاحقة لتلك القيمة، فينزوى القرآن جانبا ولا يأخذ دوره المرسوم له في قيادة الحياة، وتشكيل الشخصية المسلمة الصحيحة من جميع جوانبها، وإمدادها الدائم بالإيمان، ومن ثمَّ تفقد الأمة مكانتها العالية بين الأمم، فتتراجع إلى الوراء .. إلى الذلة والمهانة، وكيف لا وقد ربط الله عز وجل علو هذه الأمة بالإيمان {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

فهل أخذت الأجيال المتتابعة هذه الوصايا مأخذ الجد؟!

للأسف لم يحدث ذلك، بل حدث العكس، وابتعد الكثيرون من المسلمين عن الانتفاع الحقيقي بكتابهم.

فكانت النتيجة هي الحال البائس والوضع المرير الذي نحياه، فالقرآن رفع قدر الجيل الأول وأعلى من شأنه وجعل الأمة الإسلامية في مقدمة الأمم، بينما أوصلنا هجر الانتفاع بالقرآن إلى هذا المستوى الذي لا يخفى وصفه على أحد ..

فإن كنت في شك من هذا فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويضع به آخرين» (?).

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015