قال الليث بن سعد: إنما يُرفع القرآن حين يقبل الناس على الكتب، ويكبون عليها، ويتركون القرآن (?).
وعن عبد الله بن مسعود قال: اقرؤوا القرآن قبل أن يرفع، فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع، قالوا: هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في صدور الناس؟ قال: يسرى عليه ليلا، فيرفع من صدورهم، فيصبحون فيقولون: كأنا لم نعلم شيئًا، ثم يفيضون في الشعر (?).
وعن معاذ بن جبل قال: سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فَيَتَهافت، يقرؤونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قَصَّروا قالوا: سنبلغ، وإن أساؤا قالوا: سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئًا (?).
وكان الإمام المقرئ خلف بن هشام البزار يعتب على أهل زمانه عدم العناية بفهم القرآن والعمل به، فيقول رحمه الله:
ما أظن القرآن إلا عارية في أيدينا، وذلك أنا روينا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفظ البقرة في بضع عشرة سنة، فلما حفظها نحر جزورا شكرًا لله، وإن الغلام في دهرنا هذا يجلس بين يدي فيقرأ ثلث القرآن لا يُسقط منه حرفا، فما أحسب القرآن إلا عارية في أيدينا (?).
أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يكتب السنن، فاستشار أصحابه، فأشاروا عليه بذلك، ثم استخار الله شهرًا، ثم قال: إني ذكرت قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا، فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله عز وجل، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدًا (?).
وخطب على بن أبي طالب رضي الله عنه في الناس وقال: أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم، وتركوا كتاب ربهم (?).
وبلغ عبد الله بن مسعود أن عند ناس كتابًا يعجبون به، فلم يزل بهم حتى أتوه فمحاه، ثم قال: إنما هلك أهل الكتاب قبلكم أنهم أقبلوا على كتب علمائهم وتركوا كتاب ربهم (?).
وعن ابن سيرين أن زيد بن ثابت قال:
أرادني مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة أن أكَتُبَه شيئًا، قال: فلم أفعل، قال: فجعل سترًا بين مجلسه وبين بقية داره، وكان أصحابه يدخلون عليه ويتحدثون في ذلك الموضع، فأقبل مروان على أصحابه فقال: ما أرانا إلا قد خُنَّاه، ثم أقبل علىَّ، قلت: وما ذاك؟ ما أرانا إلا قد خناك، قلت: وما ذاك؟ قال: إنا أمرنا رجلا يقعد خلف هذا الستر فيكتب ما تفتى هؤلاء وما تقول (?).
وقال عمرو بن قيس: وفدت مع أبي إلى يزيد بن معاوية (بحوارين) حين توفى معاوية نُعزَّيِّه، ونُهنيه بالخلافة فإذا رجل في مسجدها يقول: ألا إن من أشراط الساعة أن تُرفع الأشرار وتوضع الأخيار، ألا إن من أشراط الساعة أن يظهر القول، ويُخزن العمل، ألا إن من أشراط الساعة أن تُتلى المثُناة فلا يوجد من يغيرها.
قيل له: وما المثناه؟
قال: ما استُكتب من كتاب غير القرآن، فعليكم بالقرآن فبه هُديتم، وبه تجزون وعنه تسألون.
فحدثت بهذا الحديث بعد ذلك بحمص، فقال لي رجل من القوم: أو ما تعرفه؟
قلت: لا. قال: ذاك عبد الله بن عمرو (?).
وقال عبد الله بن مسعود: إن ناسا يسمعون كلامي ثم ينطلقون فيكتبونه، وإني لا أُحِل لأحد أن يكتب إلا كتاب الله (?).