قال: «فماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم مني بالشعر ولا برجزه ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه الذي يقوله شيئًا من هذا. والله: إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يُعلى».

قال أبو جهل: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه.

قال: فدعني أفكر فيه. فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر. أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله ومواليه؟ (?).

اعترافات عتبة بن ربيعة:

(وهذا عتبة بن ربيعة - من سادة قريش - يقوم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ليفاوضه باسم المشركين من قريش، ويعرض عليه بعض العروض، لعله يقبل بها، ويترك دعوته.

فيعرض عليه المُلك، ويعرض عليه المال، ثم يعرض الطب إن كان ما يأتيه من قبيل الوساوس والجنون ..

حتى إذا فرغ الرجل من عروضه، وأتم مهمته، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوقد فرغت يا أبا الوليد قال: نعم، قال: «فاسمع مني»، قال: أفعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم {حم - تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ - بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ - وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت: 1 - 5].

ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه سورة فصلت، وعتبة منصت لها، وقد ألقى يديه خلف ظهره، معتمدًا عليها يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آية السجدة من السورة، فسجد وسجد معه عتبة، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.

وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} قال له عتبة: ناشدتك لله والرحم أن تمسك، إذ لم يعد عتبة يتمالك نفسه أمام هذا الذي يسمع مما لا قبل لأهل الأرض به.

ثم قام عتبة إلى أصحابه الذين بعثوه عنهم رسولاً ومفاوضًا، إلا أنه كان قد سمع ما سمع، فأثر القرآن في نفسه وجوارحه، حتى بدا ذلك في وجهه، فقال القوم بعضهم لبعض: نحلف بالله، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟

قال: ورائي أني سمعت قولا، والله ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة.

يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم (?).

السجود الجماعي:

في يوم من الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة النجم عند الكعبة، وكان يستمع لقراءته العديد من المشركين، فسكتوا وأنصتوا، وتأثروا لدرجة أنه عندما بلغ نهاية السورة، وسجد عند قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا للهِ وَاعْبُدُوا}، لم يتمالك جميع المستمعين السيطرة على أنفسهم وخروا ساجدين.

يقول عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالنجم فسجد، فلم يبق أحد إلا سجد، إلا أن شيخًا أخذ كفًا من تراب فرفعه إلى جبهته، وقال: يكفيني هذا (?).

سجدوا وهم مشركون .. وهم يمارون في الوحي والقرآن .. وهم يجادلون في الله والرسول!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015