فإن لهذا القرآن لثقلاً وسلطانًا وأثرًا مزلزلاً لا يثبت له شيء يتلقاه بحقيقته والذين أحسوا شيئًا من مس القرآن في كيانهم يتذوقون هذه الحقيقة تذوقا لا يعبر عنه إلا هذا النص القرآني المشع الموحي (?).

القشعريرة والسجود:

فإن كان الجبل سيندك إذا ما استقبل القرآن، كذلك فإن القلوب المؤمنة تخشع وتهتز هزًا عنيفًا عند استقباله، ولقد وصف لنا القرآن بعضا من مظاهر هذا التأثير:

فمن ذلك قوله تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر: 23].

فالقلب يتأثر ويلين، والجلد يقشعر ويلين .. وما هذا إلا دلالة على الأثر الذي أحدثه القرآن في القلب، والهزة العنيفة التي حدثت للمشاعر.

وليس ذلك فحسب، بل إن المؤمن الذي يتلو الآيات ويعيش معها يجد قلبه وقد استولت عليه مشاعر التعظيم والمهابة والإجلال لله عز وجل، ولا يستطيع أن يسيطر على هذه المشاعر فتجده يسجد بتلقائية لربه إجلالاً وخشية ومهابة {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا - وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً - وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107، 109].

فالحال المتوقع لمن يستقبل القرآن استقبالاً صحيحًا قوله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58].

فإن لم يصاحب البدن القلب في سجوده، اكتفى القلب بالسجود وحده من خلال وجله واهتزازه وهبوطه خشوعًا لربه.

ومما يلفت الانتباه أن الله عز وجل قد ذمَّ الكافرين لعدم سجودهم عند سماعهم للقرآن {فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ - وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 20، 21].

وكأن الحال الطبيعي للإنسان عند سماعه للقرآن هو السجود لشدة تأثير القرآن على المشاعر والقلوب ..

وليست هذه الانفعالات وما يصاحبها من قشعريرة ووجل وخشوع وسجود افتراضات نظرية أو أحوال مثالية يذكرها لنا القرآن من باب التحفيز، بل لقد تكررت صورها كثيرًا في الجيل الأول، ولا تزال تتكرر وإن كانت أقل بكثير من الماضي لأسباب عديدة ليس منها أبدًا فقدان القرآن لخاصية تأثيره على القلوب، فالمعجزة القرآنية لا زالت وستظل تعمل حتى قيام الساعة، فهي محفوظة بحفظ الله .. فهذه (هوني) التي نشأت في أسرة انجليزية مسيحية، وشغفت بالفلسفة ثم سافرت إلى كندا لإكمال دراستها، وهناك في الجامعة أتيح لها أن تتعرف على الإسلام، وأن تنتهي إليه .. تقول (هوني) واصفة حالها مع لقاءاتها الأولى بالقرآن:

لن أستطيع مهما حاولت، أن أصف الأثر الذي تركه القرآن في قلبي، فلم أكد أنتهي من قراءة السورة الثالثة من القرآن حتى وجدتني ساجدة لخالق هذا الكون، فكانت هذه أول صلاة لي في الإسلام ... » (?).

(وهذا الأديب الشاعر (نقولا حنا) يعترف بروعة القرآن، و تأثيره البالغ في القلوب، فيقول في تقدمته لقصيدته الرائعة (من وحي القرآن):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015