وبالفعل نجح إبليس نجاحا كبيرا في تحقيق هدفه، فقد سار وراءه أغلب البشر .. ساروا وراءه بإرادتهم، ولو استخدم أحدهم عقله؛ لتبين له كذب الأماني التي يمنيه الشيطان بها {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ - وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ - وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس: 60 - 62].
ومن أعظم الأبواب التي يلج منها الشيطان على الإنسان باب الشبهات، وباب الشهوات.
فمن باب الشبهات يُشككه في وجود إله لهذا الكون، أو يشككه في أن إله الكون هو (الله)، أو يشككه في وجود حياة وبعث وحساب بعد الموت ... كل ذلك لكي يبعده عن التوحيد ولزوم الصراط.
أما باب الشهوات؛ فهو يدخل من خلال النفس وهواها وحبها لنيل الشهوات واستيفاء الحظوظ، فيزين لها المحرمات، والفجور، والعصيان، ويستغل جهلها، وحبها لهذه الأمور ليحقق مراده بترك صاحبها لفعل المأمورات، وارتكابه المحظورات، ومن ثمَّ يبتعد عن الصراط ...
ومع أن الشيطان لم يجبر أحدًا على السير وراءه {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: 22]، إلا أن الله عز وجل لم يترك عباده فريسة لوساوسه وإغراءاته، وكيف يتركهم وهو الإله الودود الذي يحب عباده ويريد لهم دخول جنته {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً} [البقرة: 268].
فكانت رسالاته المتتالية لهم والتي تذكرهم بحقيقة وجودهم في الدنيا، وأنها دار امتحان، وأن هناك ربًّا واحدًا لهذا الكون .. هو الذي خلقهم، وهو الذي يرزقهم ويحفظهم ويمدهم بكل مقومات الحياة، وأن هذا الرب هو وحده المستحق للعبادة، وهو الذي إليه سيرجعون بعد الموت ليسألهم عن المهمة التي طالبهم بأدائها، ألا وهي عبادته - سبحانه - بالغيب، فمن نجح في القيام بها فإن له جائزة عظيمة، ونعيمًا أبديًا في دار تسمى «الجنة»، ومن فشل فيها فسيعاقب بالحبس في سجن اسمه «النار».
وترسم هذه الرسالات للناس الطريق الموصل لرضا الله عز وجل، وكيفية النجاح في اختبار الدنيا، وتستفيض في الحديث عن ربهم، وتطمئنهم من ناحيته، وأنه رب رحيم ودود لا يريد لهم إلا الخير، وأكبر دليل عملي على ذلك هو حلمه عليهم، وعدم محاسبتهم الفورية على ذنوبهم أو أخذهم بها .. {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [إبراهيم: 10].
وتقوم هذه الرسالات بتنبيه الناس وتحذيرهم من عدوهم الذي يريد لهم الشر ودخول النار، وتكشف لهم أساليبه في الغواية {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27].
باختصار إنها رسالات تخاطب الناس جميعًا، وتقول لكل واحد منهم:
أقبل ولا تخف فربك ينتظرك.
وكانت آخر هذه الرسالات التي أرسلها الله لبني البشر هي «القرآن»، فقد جعلها - سبحانه - بمثابة الرسالة الخاتمة للبشرية جمعاء، وأرسلها مع خير رسله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.