...
كيف وصلت إلينا الثقافة العربية:
كانت الرواية الشفوية أول محاولة لنشر العلم، والرواية هي الطريقة البدائية للعلم عند جميع الشعوب، ولكن الرواية العربية اقتربت منذ اللحظة الأولى بالحرص البالغ، والدقة الكاملة والأمانة. كان هذا أساسها على الأقل؛ لأن الدين يدعو إلى ذلك؛ ولأن كثيرًا من نصوص الكتاب، وكثيرًا من النصوص السنة كان شاهدًا من شواهد التشريع، وآية من آيات الفتوى، فالتزم القوم الأمانة والحرص فيها حين يروون كلام الله وكلام الرسول، بل حين يروون أشعار الجاهليين والإسلاميين وأيامهم ووقائعهم إلى حد ما.
وكانت الكتابة شيئًا جديدًا، فالعرب كانوا قومًا أميين لم تنتشر الكتابة بينهم إلا بدعوة الإسلام وبصنع الإسلام، ففي أعقاب غزوة بدر كان من طرق مفاداة أسرى المشركين أن يعلم الأسير عشرة من المسلمين الكتابة، فكان "زيد بن ثابت" كاتب رسول الله أحد هؤلاء الذين علمهم الأسرى، تعلمها في جماعة من الأنصار الذين لم يكن فيهم من يحسن الكتابة، كما ذكر المقريزي1. وكان "أبي بن كعب" أول أنصار كتب للرسول، و"عبد الله بن سعد بن أبي سرح" أو من كتب له من قريش، وكان عدة من كتب لرسول الله زهاء أربعين كاتبا تكفل ابن سيد الناس2 بذكر أسماؤهم، وفي صدرهم الخلفاء الأربعة الراشدون.