إن كل فكرة علمية جديرة بالاحترام، ولكن الفكرة المغرضة التي يبعثها الشر أو المنفعة الذاتية الصرفة، فكرة لا تستحق الاحترام، بل يحب مناهضتها والقيام في وجهها. أرادوا كثيرًا فسمعنا وقرأنا كثيرًا، ولكن ثقافتنا الإسلامية العربية ليست من الهون بحيث تحني الرأس لأمثال هذا الضعف المتخاذل. فالشكر الصادق لهؤلاء القوم الذين أيقظوا فينا ذلك الشعور بالعزة، ووجهونا أن نفتح عيوننا على تلك الكنوز التي تكشف لنا ولا تزال تتكشف.
وما أجدرنا -نحن القومة على الثقافة العربية- أن ننهض بعبء نشر ذلك التراث وتجليته، ليكون ذلك وفاء لعلمائنا، ووفاء لأنفسنا وأبنائنا.
وقد ناديت في مقدمة إحدى منشوراتي1 أن تلتزم كلياتنا الجامعية ذات الطابع الثقافي الإسلامي تكليف طلبة الدراسات العالية أن يقوم كل منهم بتحقيق مخطوط يمت بصلة إلى موضوع الرسالة التي يتقدم بها فقلت: "وإنه لما يثلج الصدر أن تتجه جامعاتنا المصرية اتجاها جديدا إزاء طلابها المتقدمين للاجازات العلمية الفائقة، إذ توجههم إلى أن يقدموا مع رسالاتهم العلمية تحقيقا لمخطوط يمت بصلة إلى موضوع الرسالة. وعسى أن يأتي اليوم الذي يكون فيه هذا الأمر ضريبة علمية لا بد من أدائها".
وإني لمؤمن أن سيأتي ذلك اليوم، فننعم بكثير من المتع الثقافية التي حالت بيننا وبينها هذه الحرب العلمية الظالمة.
وقد اختمرت عندي فكرة كتابة هذا البحث منذ خمس سنوات، وذلك حين ظفر كتابان من كتبي التي حققها بالجائزة الأولى للنشر والتحقيق العلمي سنة 1949-1950، فكنت من ذلك الحين أعاود الكتابة بين الفينة