أدلة من قال بالكراهة:
غاية من قال بالكراهة أنه حاول الجمع بين أدلة الجواز والمنع بحمل النهي عن الكراهة، وهذا المسلك غير جيد في هذه المسألة إذ أن مقتضاه أن نقول بجواز الشرب من الإناء الذي علمنا أن أصحابه عُرفوا بمباشرة النَّجاسات من أكل الخنزير وشرب الخمر ونحو ذلك، وأنه يجوز ترك غسل آنيتهم، وهذا قول غير سديد وإن لم يقولوا به ولكنه لازم لترجيحهم الجمع بالكراهة.
الترجيح:
الراجح عندي هو القول المشهور في المذهب من أن آنية الكفار مباحة الاستعمال إن جهل حالها ولم نتيقن أو يغلب على ظننا تنجسها وإلا فيجب الغسل.
قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 84): (وأما حديث أبي ثعلبة الخشني أن الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال: "لا تأكلوا فيها، إلا ألا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها".فهذا يدلُّ على أن الأَوْلَى التنزُّه، ولكن كثيراً من أهل العلم حملوا هذا الحديث على أناس عُرفوا بمباشرة النَّجاسات من أكل الخنزير، ونحوه، فقالوا: إن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ منع من الأكل في آنيتهم إلا إذا لم نجد غيرها، فإننا نغسلها، ونأكل فيها. وهذا الحمل جيد، وهو مقتضى قواعد الشَّرع).
الراجح هنا أيضا هو نفس القول السابق في الآنية من أن الأصل طهارتها إلا أن نتيقن أو يغلب على الظن نجاستها.
قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 84): (وقوله "وثيابهم" أي تُباحُ ثيابُهم وهذا يشمل ما صنعوه وما لبسوه، فثيابهم التي صَنَعوها مباحة، ولا نقول: لعلهم نسجوها بمنْسَج نجس؛ أو صَبغُوها بصبغ نجس؛ لأنَّ الأصل الحِلُّ والطَّهارة، وكذلك ما لبسوه من الثياب فإنه يُباح لنا لُبسه، ولكن من عُرِفَ منه عدم التَّوقِّى من النَّجاسات كالنَّصارى فالأَوْلَى التنزُّه عن ثيابهم بناءً على ما يقتضيه حديث أبي ثعلبة الخُشني رضي الله عنه.
وقوله "إن جُهل حالها" هذا له مفهومان:
الأول: أن تُعلَمَ طهارتُها.