الْوَجْه الثَّانِي أَن الْأَمر يَقْتَضِي الصِّحَّة من حَيْثُ اللُّغَة وَالنَّهْي نقيض الْأَمر لِأَنَّهُ مشارك لَهُ فِي الطّلب والاقتضاء ومخالف لَهُ فِي طلب التّرْك فَلَا بُد وَأَن يَقْتَضِي نقيض الصِّحَّة وَهُوَ الْفساد ضَرُورَة كَون النَّهْي مُقَابلا لِلْأَمْرِ وَأَنه يجب أَن يكون حكم أحد المتقابلين مُقَابلا لحكم الآخر وَهَذَا الدَّلِيل اسْتدلَّ بِهِ جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين على أَن النَّهْي يدل على الْفساد مُطلقًا وَبَعْضهمْ جعله دَلِيلا من جِهَة الْقَائِلين بِهِ لُغَة كَابْن الْحَاجِب وَأَتْبَاعه لِأَنَّهُ أخص بِهَذَا الْمُدعى من جِهَة الدّلَالَة اللفظية وَزَاد بَعضهم فِي تَقْرِيره أَن الْعَرَب من شَأْنهَا أَن تحمل الشَّيْء على نقيضه كَمَا تحمله على نَظِيره بِدَلِيل إعمالهم لَا الَّتِي هِيَ لنفي الْجِنْس عمل أَن المثبتة وَهِي نقيضها وَأجِيب عَن ذَلِك بِوُجُوه أَحدهَا منع أَن الْأَمر يدل على الْإِجْزَاء الَّذِي هُوَ الصِّحَّة

وَثَانِيها لَو سلم أَنه يدل عَلَيْهِ فَلَا نسلم أَن يدل على الْأَجْزَاء من حَيْثُ اللُّغَة بل من حَيْثُ الشَّرْع كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي النَّهْي

وَثَالِثهَا أَنه لَا يلْزم من دلَالَة الْأَمر على الصِّحَّة دلَالَة النَّهْي على الْفساد إِذْ لَا يلْزم اشْتِرَاك المتقابلات فِي جَمِيع اللوازم بل جَازَ أَن يَكُونَا ضدين ويشتركا فِي لَازم وَاحِد فَقَط وَلَو لم يكن ذَلِك إِلَّا فِي مُجَرّد الضدية كَانَ كَافِيا فَإِن السوَاد وَالْبَيَاض ضدان وهما مشتركان فِي الرُّؤْيَة والحدوث وكونهما عرضا وَغير ذَلِك

وَرَابِعهَا أَنا وَإِن سلمنَا انه يلْزم من ذَلِك تقَابل حكميهما فَإِنَّمَا يلْزم مِنْهُ أَن النَّهْي لَا يكون مقتضيا للصِّحَّة لَا أَنه يَقْتَضِي الْفساد لِأَن شَأْن النقيض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015