وَهَذَا القَوْل غَرِيب جدا وَمُقْتَضَاهُ بِأَن النَّهْي فِي الْعِبَادَات يَقْتَضِي الْفساد مُطلقًا لِأَن جَمِيع مناهيها لحق الله تَعَالَى وَالتَّفْصِيل إِنَّمَا هُوَ فِي غَيرهَا وَيرد عَلَيْهِ صور كَثِيرَة مِمَّا قيل فِيهَا بِالْفَسَادِ وَالنَّهْي فِيهَا لحق الْخلق كَالْبيع المقترن بِالشّرطِ الْمُفْسد وَالْأَجَل الْمَجْهُول وخصوصا عِنْد الْمَالِكِيَّة فِي البيع على بيع أَخِيه والمترتب على النجش وأمثال ذَلِك وَلَا يثبت لَهُ هَذَا الْمَعْنى على السبر إِلَّا فِي صور قَليلَة كصورة التصرية الَّتِي ذكرهَا وَالْبيع وَقت النداء فانه فَاسد على الْمَشْهُور من مَذْهَبهم وَالنَّهْي عَنهُ لحق الله تَعَالَى لما فِيهِ من ترك الْجُمُعَة فَإِن قيل الْفساد فِي تِلْكَ الْعُقُود جَاءَ مِمَّا يلْزم فِيهَا من أكل المَال الْبَاطِل
قُلْنَا وَذَاكَ أَيْضا رَاجع إِلَى حق الْآدَمِيّ وَعند التَّحْقِيق كل مَنْهِيّ يتَعَلَّق بالخلق فَللَّه تَعَالَى فِيهِ أَيْضا حق وَهُوَ امْتِثَال أمره وَنَهْيه لَكِن من المناهي مَا يتمحض الْحق فِيهِ لله سُبْحَانَهُ وَمِنْهَا مَا يجْتَمع فِيهِ الحقان وَمُقْتَضى هَذِه الطَّرِيقَة أَيْضا عدم التَّفْرِقَة بَين الْمنْهِي عَنهُ لعَينه والمنهي عَنهُ لغيره وَيلْزمهُ حِينَئِذٍ إبِْطَال الصَّلَاة فِي الْأَمَاكِن الْمَكْرُوهَة كالحمام وأعطان الْإِبِل لِأَن النَّهْي فِيهَا لحق الله تَعَالَى إِلَى غير ذَلِك من الصُّور وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
آخر كتاب تَحْقِيق المُرَاد فِي أَن النَّهْي يَقْتَضِي الْفساد