تركَ لنا محمّدُ بن يوسفَ الكِرْماني -بعدَ رحلةٍ مباركةٍ حافلةٍ بالجدِّ والنَّشاطِ- آثارًا علميَّةً جليلةً، تشهدُ، بموفورِ عِلمه، وسَعةِ اطّلاعِه، وتكشفُ عن عالمٍ فذٍّ طرقَ أبوابَ العلومِ وحصَّل ثمارَها، فلا تكادُ تجدُ فنًّا من الفنونِ المعروفةِ في زمنه إلا وله فيه مؤلفٌ أَوْ شَرحٌ أَوْ مختصرٌ.
وفي ظنِّي أَن هذا الرَّجلَ لو خُلِّيَ مَا بينه وبين التَّأليف في سِني انْقطاعِه للتَّدريس لفَاقتْ مؤلفاتُه غيرَه ممّن بلغ شأوًا في التَّصنيفِ.
ومَنْ يدري لربَّما كانت موُلّفاتُه كذلك، لكن عَفَا عليها الزَّمنُ، وجَارت عليها المصائبُ والنّكباتُ، وبخاصَّة تلك الّتي اتّسم بها عَصرُه.
ومن المُؤسف حقًّا: أَن تلك المصنّفات -عَلى عظيم نَفْعها وجَلِيل قَدرها- لَمْ تعرف طريقها إِلى كثيرٍ من طلبةِ العِلْم في عصرنا الرَّاهن؛ فما زَال بَعضُها غائبًا لا نَعرف عنه شيئًا إلّا ما صرَّح به المترحمونَ، وما فتيء الآخرُ قابعًا داخل سُجونِ المخطوطات. هذا إذا اسْتثنينا مِنْها شرحه لصحيع البخاريِّ، فَقَد نَال حظَّه من الطبع ولَم ينل حظه من التَّحقيق.