الباب الثالث
في المغير وشروطه
يعتبر في مغير المنكر أربعة شروط: أن يكون مسلمًا مكلفًا عالمًا بذلك المنكر. وصفة التغيير والقدرة على القيام به. فأما الإسلام والعلم فهما شرطان في صحة القيام فلا يتوجه مع عدمهما إذ لا يصح تغيير الكافر إذ التغيير انتصار لدين الله سبحانه وجحد الكافر يأتي انتصاره لما جحد وكابد عليه لأنه استخفاف بالإسلام فلعله لا يقصد بذلك إلا الوصول إلى احتقارهم والشين بالاستطالة عليهم فلا يسوغ تمكينه منه لقول الله سبحانه: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا} وقال صلى الله عليه وسلم لن أستعين بمشرك ومثله في الحكم الجاهل بموجب القيام لأنه يحرم في حقه كما تقدم في الباب الثاني قبل إذ لا يحل قياه فيما جهل حقيقته من المنكرات أو طريق الإنكار فيها فإن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فلا يستوي إنكار الولد على أبيه والعبد على سيده والرعية على أميرها ومن شاكلهم من سواهم ونحو ذلك مما يؤول أمره إلى ما هو أنكر منه فمن كان يجهل شيئًا من هذه الأمور فلا يباح قيامه فيما لم يعلم منها ويباح فيما علم لوجود الشرط فيه. وأما الشرطان الباقيان وهما التكليف والقدرة على التغيير فهما شرطًا وجوب على من حصلا فيه مع شرطي الصحة المتقدمين لأن غير المكلف لصباه أو جنونه غير مخاطب فلا يلزمه قيام إلا أن الصبي إذا عقل القربة وعرف المناكر وطريق التغيير فتبرع به كان منه صحيحًا سائغًا وأثيب عليه في القيامة ولا إثم عليه في الترك بخلاف المكلف ومثله من لا يقدر على التغيير حسبما تقدم إما لعلمه عدم الجدوى في قيامه وإما لتقيته على نفسه. فوجوب القيام عنه ساقط وإنما يجب عليه الإنكار بقلبه ولكن يستحب له على ما تقدم نقله عن الإمام الغزالي وعلل بعض الشيوخ هذا الاستحباب مع وجود التقية بتحصيل فائدة أخرى غير تغيير المنكر وهي التنبيه على حدود الله والإظهار لشعائره وحرماته فإنها كما قال مولانا الكريم من تقوى القلوب إذ التمالك في مثلها على السكوت قد يوهم الرضى أو التساهل فيوقع اعتقادًا عند ضعيف الإيمان أن ذلك من قبيل الجائز فإذا تبرع أحد بذلك مع قيام مانع التقية عظمت مثوبته عند الله وهو في سعة من الترك بخلاف انخرام شرطي الصحة المتقدمين فإن القيام مع عدمهما أو عدم أحدهما باطل. وتقدير ما في هذا اباب من المعنى قريب من معنى ما في الباب الذي قبله. لكن افترقا في ذلك فالأول في حكم التغيير