الباب الثاني
في محال فرصة وندبة وحرمته
أما حكمه ففرض متأكد وواجب متعين فلا أحد من المخاطبين إلا وقد تعين عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو في نفسه وأهله وعياله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. الحديث في هذا عام الأعيان وكذلك فيما حضر أحد مواقعة أحد المنكر أو علمه فأمكنه القيام مع وجود الشروط وانتفاء الموانع وجب ذلك عليه. قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده * فإن لم يستطع فبلسانه * فإن لم يستطع فبقلبه * وذلك أضعف الإيمان. فلا يسقط جرحه من رأى منكرًا وعلمه ولا القيام بتغييره على الفورية بحيث لا يمر عليه زمن تفريط لأن كون القيام بذلك من الإيمان يدل على أن تركه من الضلال والخسران وإذا كان ذلك واجبًا متأكدًا على كل من علمه بحسب وسعه فهو على الأئمة والولاة والقضاة وسائر الحكام أوجب وآكد إنهم متمكنون من التغيير بعلو اليد وامتثال الأمر ووجوب الطاعة وانبساط الولاية. يدل عليه قله سبحانه * {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا لزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} * فإن من أنواع القيام بذلك ما يدعو إلى الاستيلاء وإقامة الحدود والعقوبات مما لا يفعله إلا الولاة والحكام. فلا عذر لمن قصر منهم عند الله تعالى لأنه إذا أهمل هؤلاء القيام بذلك فجدير ألا يقدر عليه من هو دونهم من رعيتهم فيشك أن تضيع حرمات الدين ويستباح حمى الشرع والمسلمين. فحكمه على الجمة الفرض المتأكد لكن قد ينقلب إلى الامتناع والحرمة وذلك في حق شخصين أحدهما الجاهل بالمعروف وبالمنكر بحيث لا يميز موضوع أحدهما من الآخر فهذا ايحرم في حقه فإذا كان عالمًا بالمعروف والمنكر وأمن من التسبب بمنكر أعظم وعلم أو غلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له وأن أمره بالمعروف مؤثر فيه ونافع وجب عليه التغيير وإذا لم يعلم ذلك ولا غلب على ظنه لم يجب عليه أمر ولا نهي ولهذا قال الشيخ ابن رشد "في مقدماته" وفي بيانه فالشرطان الأولان مشروطان في الجواز والشرط الثالث مشترط في الوجوب فإذا عدم الشرط الأول والثاني