وَالْأَصْلُ فِيهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَوْلَدَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ بِإِبْرَاهِيمَ» وَقَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا أَيْ: أَثْبَتَ لَهَا حَقَّ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا إجْمَاعًا، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا تَنَاظَرَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ فِي بَيْعِهَا فَقَالَ ابْنُ دَاوُد: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا تُبَاعُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَيُسْتَصْحَبُ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تُبَاعُ مَا دَامَتْ حَامِلًا فَيُسْتَصْحَبُ فَانْقَطَعَ ابْنُ دَاوُد، لَكِنْ كَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ هُنَا لِطُرُوِّ سَبَبٍ هُوَ الْحَمْلُ وَمَا طَرَأَ لِسَبَبٍ زَالَ بِزَوَالِهِ لِحُدُوثِ تَنَجُّسِ الْمَالِ الْكَثِيرِ بِتَغَيُّرِهِ، وَقَدْ يَرِدُ زَوَالُهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدُ حَمْلِهَا بِهِ بَلْ كَوْنُ جُزْئِهَا ثَبَتَ لَهُ الْحُرِّيَّةُ ابْتِدَاءً مُنَجَّزَةً فَسَرَتْ إلَيْهَا تَبَعًا، لَكِنْ مُنْتَظِرَةً كَمَا هُوَ شَأْنُ تَرَاخِي التَّابِعِ عَنْ مَتْبُوعِهِ وَهَذَا الْوَصْفُ لَمْ يَزُلْ فَكَانَ الْحَقُّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ سُرَيْجٍ.
(إذَا) آثَرَهَا عَلَى إنْ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْمَشْكُوكِ، وَالْمَوْهُومِ، وَالنَّادِرِ، بِخِلَافِ إذَا لِلْمُتَيَقَّنِ، وَالْمَظْنُونِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إحْبَالَ الْإِمَاءِ كَثِيرٌ مَظْنُونٌ بَلْ مُتَيَقَّنٌ وَنَظِيرُهُ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6] خَصَّ الْوُضُوءَ بِإِذَا لِتَكَرُّرِهِ وَكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ، وَالْجَنَابَةَ بِإِنْ لِنُدْرَتِهَا وَلِكَثْرَةِ اللَّهْوِ عَنْ الْمَوْتِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ مَنْسِيٌّ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَتَى بِإِنْ مَعَهُ فِي نَحْوِ {وَلَئِنْ مُتُّمْ} [آل عمران: 158] وَأَتَى بِإِذَا فِي {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ} [الروم: 33] مَعَ أَنَّ الْمَوْضِعَ لِإِنْ نَحْوَ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} [الأعراف: 131] لِنُدْرَتِهَا مُبَالَغَةً فِي تَخْوِيفِهِمْ وَإِخْبَارِهِمْ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمَسَّهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْعَذَابِ، وَإِنْ قَلَّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ تَنْكِيرُ ضُرٌّ وَلَفْظُ الْمَسِّ (أَحْبَلَ) حُرٌّ كُلُّهُ وَكَذَا بَعْضُهُ وَلَوْ مَجْنُونًا وَمُكْرَهًا وَمَحْجُورَ سَفَهٍ وَكَذَا فَلَسٍ عَلَى الْمَنْقُولِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَابْنِ الرِّفْعَةِ، لَكِنْ رَجَّحَ السُّبْكِيُّ خِلَافَهُ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ. وَخَرَجَ بِالْحُرِّ الْمُكَاتَبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حَقِّ مَنْ قَصَدَ بِهِ حُصُولَ وَلَدٍ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ مِنْ الْقُرُبَاتِ سَوَاءٌ الْمُنَجَّزُ وَالْمُعَلَّقُ وَأَمَّا تَعْلِيقُهُ فَإِنْ قُصِدَ بِهِ حَثٌّ، أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ فَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ قُرْبَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ: فِي الْبَابِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي. (قَوْلُهُ: فِي بَيْعِهَا) أَيْ: أُمِّ الْوَلَدِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْوِلَادَةِ) يَعْنِي قَبْلَ الْحَمْلِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تُبَاعُ مَا دَامَتْ حَامِلًا إلَخْ) اُعْتُرِضَ هَذَا الِاسْتِدْلَال بِالْحَامِلِ بِحُرٍّ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهَا لَا تُبَاعُ مَا دَامَتْ حَامِلًا وَتُبَاعُ إذَا وَضَعَتْ وَأُجِيبَ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ فِيهَا بِجَوَازِ الْبَيْعِ بَعْدَ الْوَضْعِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ سم (قَوْلُهُ: أَنْ يُجِيبَ) أَيْ: ابْنُ دَاوُد. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَرِدُ) أَيْ: الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ وَقَوْلُهُ: بِمَنْعِ زَوَالِهِ أَيْ زَوَالِ السَّبَبِ الطَّارِئِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْوَصْفُ) أَيْ: كَوْنُ جُزْئِهَا ثَبَتَتْ لَهُ الْحُرِّيَّةُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَظْنُونِ) أَيْ وَالْكَثِيرِ أَخْذًا مِنْ السِّيَاقِ وَالسِّبَاقِ (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ) أَيْ: مِثَالُ كُلٍّ مِنْ إذَا، وَإِنْ وَلَوْ قَالَ نَحْوَ إذَا قُمْتُمْ إلَخْ كَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: خَصَّ الْوُضُوءَ) الْأَوْلَى خَصَّ إقَامَةَ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: فَلِكَثْرَةِ اللَّهْوِ إلَخْ) الْجَارِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْآتِي: أَتَى بِإِنْ إلَخْ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَأَتَى بِإِذَا إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مَجْمُوعِ أَتَى بِإِنْ إلَخْ وَمُتَعَلِّقِهِ الْمُقَدَّمِ.
(قَوْلُهُ: لِنُدْرَتِهَا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: مَعَ أَنَّ الْمَوْضِعَ لِإِنْ وَالضَّمِيرِ لِمَسِّ الضُّرِّ بِتَأْوِيلِ إصَابَةِ السَّيِّئَةِ وَقَوْلُهُ: مُبَالَغَةً عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَأَتَى بِإِذَا إلَخْ (قَوْلُهُ: كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى كَوْنِهِ قَلِيلًا. (قَوْلُهُ: حُرٌّ كُلُّهُ) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ: فَوَلَدَتْ فِي الْمُغْنِي وَإِلَى قَوْلِهِ: حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: حُرٌّ) أَيْ: مُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَإِيلَادُهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَ نُفُوذُهُ وَإِلَّا فَلَا مُغْنِي وَيَأْتِي مِثْلُهُ عَنْ النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْضُهُ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ عَدَمِ نُفُوذِ إيلَادِ الْمُبَعَّضِ مُغْنِي عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَلَوْ أَوْلَدَ الْمُبَعَّضُ أَمَةً مَلَكَهَا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نَفَذَ إيلَادُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ كَوْنُهُ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ بِمَوْتِهِ فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَقَدْ زَالَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ بِمَوْتِهِ. اهـ. وَسَيَأْتِي عَنْ سم مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا (قَوْلُهُ: وَمُكْرَهًا وَمَحْجُورَ سَفَهٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى، أَوْ كَمَا عَبَّرَ بِهَا الْمُغْنِي. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ خِلَافَهُ إلَخْ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ نِهَايَةٌ وَمَالَ الْمُغْنِي إلَى الْأَوَّلِ عِبَارَتُهُ وَكَوْنُهُ كَاسْتِيلَادِ الرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ أَشْبَهُ مِنْ كَوْنِهِ كَالْمَرِيضِ فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِالنُّفُوذِ يُشَبِّهُهُ بِالْمَرِيضِ وَمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِهِ يُشَبِّهُهُ بِالرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ. اهـ. (قَوْلُ الْمَتْنِ: أَمَتَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــSتَعْلِيقُهُ، فَإِنْ قُصِدَ بِهِ حَثٌّ، أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ فَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ قُرْبَةٌ ش م ر. (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تُبَاعُ مَا دَامَتْ حَامِلًا إلَخْ) اُعْتُرِضَ هَذَا الِاسْتِدْلَال بِالْحَامِلِ بِحُرٍّ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُبَاعُ مَا دَامَتْ حَامِلًا وَتُبَاعُ إذَا وَضَعَتْ وَأُجِيبَ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ فِيهَا بِجَوَازِ الْبَيْعِ بَعْدَ الْوَضْعِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْضُهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ، لَكِنْ مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ فِي إيلَادِ الْأَبِ الْمُبَعَّضِ أَمَةَ ابْنِهِ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً بِإِيلَادِهِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ نُفُوذِ إيلَادِ الْمُبَعَّضِ وَأَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ: إنَّ الْمُبَعَّضَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِتْقِ، وَوَقَعَ لِشَيْخِنَا تَنَاقُضٌ فَإِنَّهُ جَزَمَ هُنَا بِنُفُوذِ إيلَادِهِ وَفِي الْكَلَامِ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ الشَّيْخَيْنِ بِعَدَمِهِ فَقَالَ: وَالْمُبَعَّضُ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِإِيلَادِهِمَا أَمَتَهُمَا فَبِإِيلَادِ أَمَةِ وَلَدِهِمَا أَوْلَى. وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَ ثُبُوتِ اسْتِيلَادِهِ لِأَمَتِهِ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِإِيلَادِهِ أَمَةَ فَرْعِهِ بِمَا لَا يُجْدِي بَلْ لَا يَصِحُّ لِمُتَأَمِّلِهِ فَاحْذَرْهُ. فَإِنْ قُلْت: نُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ مُوَافَقَةُ الْمَاوَرْدِيِّ قُلْت بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا النَّقْلِ لَا يَضُرُّنَا؛ لِأَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ النُّفُوذَ وَبَقِيَّةُ الْأَصْحَابِ لِمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ عَدَمَهُ، وَجَرَى عَلَى هَذَا الشَّيْخَانِ كَمَا عَلِمْت فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ مَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ.
وَقَوْلُهُ: وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ ذَلِكَ الْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُبَعَّضِ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ شُبْهَةُ الْإِعْفَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نِصْفِهِ الرَّقِيقِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُبَعَّضُ فِي الْأَمَةِ الَّتِي اسْتَقَلَّ بِمِلْكِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَنْقُولِ إلَخْ) احْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّ حَجْرَ الْفَلَسِ دَائِرٌ بَيْنَ حَجْرَيْ السَّفَهِ وَالْمَرَضِ وَكِلَاهُمَا يَنْفُذُ مَعَهُ الْإِيلَادُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ امْتَازَ عَنْ حَجْرِ الْمَرَضِ بِعَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا مَعَهُ وَعَنْ حَجْرِ السَّفَهِ بِكَوْنِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ رَجَّحَ السُّبْكِيُّ) كَتَبَ عَلَيْهِ م ر