لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا بِالنِّيَّةِ (تَنْبِيهٌ)

مَا تَقَرَّرَ أَنَّ ابْنَ الْمُقْرِي رَجَّحَ ذَلِكَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ، لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ عِبَارَةَ أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَشْمَلُ عَدَمَ الْحِنْثِ فِي هَذَا أَيْضًا، وَهِيَ فِي الْحَلْقِ قِيلَ: يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ، وَقِيلَ: فِيهِ الْخِلَافُ كَالْبَيْعِ. وَذُكِرَ قَبْلَ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَا يَعْتَادُ الْحَالِفُ فِعْلَهُ، أَوْ لَا يَجِيءُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ فِيهِ بِالْأَمْرِ قَطْعًا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فَلَيْسَ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ شَيْخِنَا بِأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ إفْرَادِ مَسْأَلَةِ الْحَلْقِ بِالذِّكْرِ وَعَدَمِ تَرْجِيحِ شَيْءٍ فِيهَا أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ لَا يَجِيءُ مِنْهُ. وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، فَإِنْ قُلْت هَلْ لِاسْتِثْنَائِهَا وَجْهٌ؟ قُلْت يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ يُمْكِنُ مَجِيئُهُ مِنْهُ لَا يُتَعَاطَى بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُتْقِنُ إحْسَانَهُ الْمَقْصُودَ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ ابْتِدَاءً مَنْعَ حَلْقِ الْغَيْرِ لَهُ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِهِ تَنَاوَلَتْهُ الْيَمِينُ بِمُقْتَضَى الْعُرْفِ.

فَحَنِثَ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ إذَا

(حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا) أَيْ: هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارًا (أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا) وَهُوَ فِيهَا عِنْدَ الْحَلِفِ، (فَلْيَخْرُجْ) إنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ مِنْ الْحِنْثِ بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ فِي كُلٍّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقَامَةِ وَالسُّكْنَى فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ كَانَ مُتَوَطِّنًا فِيهِ قَبْلَ حَلِفِهِ فَلَوْ دَخَلَهُ لِنَحْوِ تَفَرُّجٍ فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُهُ لَمْ يُحْتَجْ لِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ قَطْعًا (فِي الْحَالِ) بِبَدَنِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْهَرْوَلَةَ وَلَا الْخُرُوجَ مِنْ أَقْرَبِ الْبَابَيْنِ، نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنْ عَدَلَ لِبَابٍ مِنْ السَّطْحِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ بِالصُّعُودِ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ أَيْ: وَلَا نَظَرَ لِتَسَاوِي الْمَسَافَتَيْنِ وَلَا لِأَقْرَبِيَّةِ طَرِيقِ السَّطْحِ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَشْيِهِ إلَى الْبَابِ آخِذٌ فِي سَبَبِ الْخُرُوجِ وَبِالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الصُّعُودِ غَيْرُ آخِذٍ فِي ذَلِكَ عُرْفًا، أَمَّا بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّحَوُّلِ فَيَحْنَثُ عَلَى الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ سَاكِنٌ أَوْ مُقِيمٌ عُرْفًا (فَإِنْ مَكَثَ) وَلَوْ لَحْظَةً وَهُوَ مُرَادُ الرَّوْضَةِ بِسَاعَةٍ، وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ: كَمَا لَوْ وَقَفَ لِيَشْرَبَ مَثَلًا يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ مِثَالِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ شُرْبُهُ لِعَطَشٍ لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ عَادَةً، كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُمْ: (بِلَا عُذْرٍ حَنِثَ، وَإِنْ بَعَثَ مَتَاعَهُ) وَأَهْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُسَمَّى سَاكِنًا وَمُقِيمًا.

أَمَّا إذَا مَكَثَ لِعُذْرٍ كَأَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ عَقِبَ الْحَلِفِ نَحْوُ مَرَضٍ مَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْرِجُهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ: عَكْسُ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ: فِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: رَجَّحَ ذَلِكَ) أَيْ: عَدَمَ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلْقِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ جَعَلَهُ) أَيْ: شَيْخُنَا عَدَمَ الْحِنْثِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: ابْنِ الْمُقْرِي عَلَى الرَّوْضَةِ لَكِنَّهُ أَيْ: ذَلِكَ الْجَعْلَ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ عِبَارَةَ أَصْلِ الرَّوْضَةِ إلَخْ) فِي تَطْبِيقِهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا صَرِيحٌ) أَيْ: مَا ذَكَرَهُ أَصْلُ الرَّوْضَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ: قِيلَ يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ إلَخْ فِيمَا ذَكَرَهُ إلَخْ أَيْ فِي عَدَمِ حِنْثِهِ بِحَلْقِ الْغَيْرِ بِأَمْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ لَا يَجِيءُ مِنْهُ) الْأَوْلَى لَا يَعْتَادُ الْحَالِفُ فِعْلَهُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: أَيْ هَذِهِ الدَّارَ) إلَى قَوْلِهِ أَيْ: وَلَا نَظَرَ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: أَوْ دَارًا أَوْ إلَى قَوْلِهِ: وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ: وَيَتَرَدَّدُ إلَى وَكَذَا، وَقَوْلُهُ: أَيْ وَلَمْ يُدْرِكْهُ إلَى وَلَوْ خَرَجَ. (قَوْلُهُ وَهُوَ فِيهَا إلَخْ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَعْطُوفَيْنِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ إلَخْ) عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَيْ: مَحَلُّ الِاحْتِيَاجِ إلَى نِيَّةِ التَّحَوُّلِ. (قَوْلُهُ: فِيهِ إلَخْ) الضَّمِيرُ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ رَاجِعٌ إلَى الدَّارِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ التَّأْنِيثَ كَمَا فِي الْمُغْنِي

(قَوْلُهُ: لَا يَسْكُنُهُ) أَيْ: أَوْ لَا يُقِيمُهَا (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ) أَيْ: فَيَكْفِي فِي السَّلَامَةِ مِنْ الْحِنْثِ الْخُرُوجُ حَالًا اهـ. ع ش قَالَ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ مُتَعَارَفًا وَيُرِيدُهُ قَضِيَّتُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ تَعَارُفِهِ لَا تَكْفِي وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إنْ لَمْ تُهْجَرْ الْحَقِيقَةُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْفَصْلِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمَجَازَ الْغَيْرَ الْمُتَعَارَفَ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَهُ وَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْمَجَازَ الْمَرْجُوحَ يَصِيرُ قَوِيًّا بِالنِّيَّةِ اهـ. رَشِيدِيٌّ وَكَلَامُ الشَّارِحِ حَيْثُ عَبَّرَ بِأَوْ سَالِمٌ عَنْ هَذَيْنِ الْإِشْكَالَيْنِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي تَحْنِيثِهِ بِالْمُكْثِ الْيَسِيرِ نَظَرٌ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا أَسْكُنُهُ الْمُرَادُ بِهِ لَا أَتَّخِذُهُ مَسْكَنًا اهـ. انْتَهَى رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ: وَإِنْ بَقِيَ أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ) هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنَّهُ يَأْخُذُ أَهْلَهُ وَأَمْتِعَتَهُ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِأَخْذِهِمَا فَوْرًا أَيْضًا اهـ ع ش. (قَوْلُهُ وَلَا الْخُرُوجَ مِنْ أَقْرَبِ الْبَابَيْنِ) أَيْ: بِأَنْ يَقْصِدَهُ مِنْ مَحَلٍّ أَمَّا لَوْ مَرَّ عَلَيْهِ وَعَدَلَ عَنْهُ فَيَنْبَغِي الْحِنْثُ أَخْذًا مِمَّا عُلِّلَ بِهِ الْعُدُولُ إلَى السَّطْحِ مِنْ أَنَّهُ بِالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الصُّعُودِ غَيْرُ آخِذٍ إلَخْ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ: لِبَابٍ مِنْ السَّطْحِ) أَيْ: أَوْ إلَى حَائِطٍ لِيَخْرُجَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قُبَالَتَهُ فَتَخَطَّاهُ مِنْ غَيْرِ عُدُولٍ فَلَا حِنْثَ اهـ. ع ش وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي بَابِ السَّطْحِ أَيْضًا فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَلِفِ فِي السَّطْحِ يَتَعَيَّنُ الْخُرُوجُ مِنْ بَابِهِ فَلَوْ عَدَلَ مِنْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ حَنِثَ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَبْعَدَ مِنْهُ اهـ ع ش.

(قَوْلُ الْمَتْنِ فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ حَنِثَ) قَالَ عَمِيرَةُ أَيْ: وَلَوْ مُتَرَدِّدًا فِي الْمَكَانِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُكْثَ وَلَوْ قَلَّ يَضُرُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ: هُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَرَادَ لَا أَمْكُثُ فَإِنْ أَرَادَ لَا أَتَّخِذُهَا مَسْكَنًا فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْحِنْثِ بِمُكْثِ نَحْوِ السَّاعَةِ انْتَهَى. أَقُولُ لَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِنَحْوِ السَّاعَةِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَّخِذُهَا مَسْكَنًا مُدَّةً يَبْحَثُ فِيهَا عَنْ مَحَلٍّ يَسْكُنُ فِيهِ مَعَ عَدَمِ إرَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى اتِّخَاذِهَا مَسْكَنًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ اهـ. ع ش عِبَارَةُ الْمُغْنِي: وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهَا بِلَا غَرَضٍ حَنِثَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنْ أَرَادَ بِلَا أَسْكُنُهَا لَا أَتَّخِذُهَا مَسْكَنًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِذَلِكَ مَسْكَنًا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَحْظَةً) إلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ لَيْلَةً فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ: وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ إلَى الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: يَتَعَيَّنُ إلَخْ خَبَرُهُ. (قَوْلُهُ: يُسَمَّى سَاكِنًا إلَخْ) إذْ السُّكْنَى تُطْلَقُ عَلَى الدَّوَامِ كَالِابْتِدَاءِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي أَيْ: وَكَذَا الْإِقَامَةُ. (قَوْلُهُ: أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ إلَخْ) ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا حَالَ حَلِفِهِ عَلَى الرَّاجِحِ وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الْحَلِفِ حَالَ الْعُذْرِ وَبَيْنَ طُرُوُّ الْعُذْرِ عَلَى الْحَلِفِ لَعَلَّهُ مِنْ حَيْثُ الْقَطْعُ وَالْخِلَافُ وَإِلَّا فَلَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ إذْ الْحَلِفُ حَالَةَ الْمَرَضِ

ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015