جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا هُنَا أَصَالَةُ الْجِهَادِ، وَإِنْ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ وُجُوبَهُ وُجُوبُ الْوَسَائِلِ لَا الْمَقَاصِدِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْهِدَايَةُ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أُمْكِنَتْ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ كَانَتْ أَوْلَى مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: الْهِدَايَةُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَوْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لَزِمَ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ يُقْبَلُ مِنْهُ عَلَى أَنَّ هِدَايَتَهُمْ لَا سِيَّمَا عَلَى الْعُمُومِ بِمُجَرَّدِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ نَادِرَةٌ جِدًّا، بَلْ مُحَالٌ عَادَةً فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهَا وَكَأَنَّ الْجِهَادَ مَقْصُودٌ لَا وَسِيلَةٌ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَتَرْجَمَهُ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجِهَادِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمُلْتَقَى تَفْصِيلُ أَحْكَامِهِ مِنْ سِيرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَوَاتِهِ.
وَهِيَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ غَزْوَةً قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهَا بِنَفْسِهِ: بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْمُرَيْسِيعِ وَالْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، وَبَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَرِيَّةً، وَهِيَ: مِنْ مِائَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ فَمَا زَادَ مِنْسَرٌ بِنُونٍ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ إلَى ثَمَانِمِائَةٍ، فَمَا زَادَ جَيْشٌ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَمَا زَادَ جَحْفَلٌ، وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ الْعَظِيمُ وَفِرْقَةُ السَّرِيَّةِ سُمِّيَ بَعْثًا، وَالْكَتِيبَةُ مَا اجْتَمَعَ وَلَمْ يَنْتَشِرْ وَكَانَ أَوَّلُ بُعُوثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَأْسِ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ فِي رَمَضَانَ، وَقِيلَ: فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الشَّهِيرَةُ، وَأَخَذَ مِنْهَا ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَذَكَرَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةً مُصَرِّحَةً بِذَلِكَ أَوَّلَهَا الْأَكْثَرُونَ بِحَمْلِهَا عَلَى خُصُوصِ السَّائِلِ أَوْ الْمُخَاطَبِ أَوْ الزَّمَنِ. (كَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ اهـ. مُغْنِي. (قَوْلُهُ: جَمْعُ سِيرَةٍ) إلَى قَوْلِهِ: وَإِنْ جَزَمَ فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ: لُغَةً اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَغَرَضُهُ مِنْ التَّرْجَمَةِ ذِكْرُ الْجِهَادِ وَأَحْكَامِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ إلَخْ) وَافَقَهُ الْمُغْنِي. (قَوْلُهُ: إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْهِدَايَةُ) أَيْ: وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الشَّهَادَةِ أَمَّا قَتْلُ الْكُفَّارِ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ اهـ. مُغْنِي. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ:) أَيْ: الزَّرْكَشِيّ. (قَوْلُهُ: قَبُولُهَا) أَيْ: الْجِزْيَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا) أَيْ: لُزُومَ الْقَبُولِ. (قَوْلُهُ: بِمَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ) احْتِرَازٌ عَنْ عَابِدِ نَحْوِ وَثَنٍ وَأَصْحَابِ الطَّبَائِعِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا يَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ هِدَايَتَهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ. (قَوْلُهُ: نَادِرَةٌ جِدًّا إلَخْ) هَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ لَوْ أَمْكَنَتْ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. سم أَيْ: لِأَنَّ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَقْتَضِي وُجُودَ الْمُقَدَّمِ، بَلْ فِي تَعْبِيرِهِ بِلَوْ إشَارَةٌ إلَى امْتِنَاعِهِ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهَا) إنْ أَرَادَ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ أَوْ بِاعْتِبَارِ الدَّلِيلِ لَمْ يَضُرَّ (وَقَوْلُهُ: وَكَانَ الْجِهَادُ مَقْصُودًا إلَخْ) هَذَا لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْعِلَاوَةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحَالَةِ الْهِدَايَةِ عَلَى الْعُمُومِ بِالدَّلِيلِ كَوْنَهَا مَقْصُودَةً مِنْ الْجِهَادِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْمَقْصُودِ مِنْهَا هُنَا الْجِهَادَ لَا يُنَافِي وُجُوبُهُ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. سم، وَقَوْلُهُ: كَوْنُهَا مَقْصُودَةً إلَخْ لَعَلَّ أَصْلَهُ عَدَمُ كَوْنِهَا إلَخْ ثُمَّ سَقَطَ لَفْظَةُ عَدَمٍ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ. (قَوْلُهُ: وَتَرْجَمَهُ بِذَلِكَ إلَخْ) أَيْ: تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ بِالسِّيَرِ لَا بِالْجِهَادِ أَوْ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا تَرْجَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ مُتَلَقًّى مِنْ سِيَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَوَاتِهِ اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: تَفْصِيلُ أَحْكَامِهِ) أَيْ: الْجِهَادِ. (قَوْلُهُ: مِنْ سِيرَتِهِ إلَخْ) الْأَوْلَى سِيَرِهِ بِالْجَمْعِ أَيْ: مِنْ أَحْوَالِهِ كَمَا وَقَعَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَدْرٍ فَإِنَّهُ قَتَلَ وَفَدَى وَمِنْ ضَرْبِ الرِّقِّ عَلَى الْبَعْضِ اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ مِنْ الْعَزِيزِيِّ. (قَوْلُهُ: قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي فِي تِسْعٍ بِنَفْسِهِ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ. وَكَذَا فِي ع ش عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ بِزِيَادَةِ الْفَتْحِ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً فِي الْبُجَيْرَمِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الشَّارِحِ مَا نَصُّهُ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَاتَلَ فِي غَزْوَةٍ إلَّا فِي أُحُدٍ وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا إلَّا أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فِيهَا اهـ. إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ أَصْحَابَهُ قَاتَلُوا بِحُضُورِهِ فَنُسِبَ إلَيْهِ الْقِتَالُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ قِتَالٌ مِنْهُ فِيهَا وَلَا مِنْهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ: السَّرِيَّةُ مِنْ مِائَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ عِبَارَةُ الْقَامُوسِ مِنْ خَمْسَةِ أَنْفُسٍ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ أَوْ أَرْبَعِمِائَةٍ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي السِّيَرِ عَنْ الْمُغْنِي وَالرَّشِيدِيِّ مَا يُوَافِقُهُ. (قَوْلُهُ: فَمَا زَادَ مِنْسَرٌ إلَخْ) عِبَارَةُ الْقَامُوسِ وَالْمِنْسَرُ كَمَجْلِسٍ وَمِنْبَرٍ مِنْ الْخَيْلِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ أَوْ مِنْ الْأَرْبَعِينَ إلَى الْخَمْسِينَ أَوْ إلَى السِّتِّينَ أَوْ مِنْ الْمِائَةِ إلَى الْمِائَتَيْنِ وَقِطْعَةٌ مِنْ الْجَيْشِ تَمُرُّ قُدَّامَ الْجَيْشِ الْكَثِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ: جَحْفَلٌ) كَجَعْفَرٍ. (قَوْلُهُ: الْجَيْشُ الْعَظِيمُ) ؛ لِأَنَّهُ خَمْسُ فِرَقٍ الْمُقَدِّمَةُ وَالْقَلْبُ وَالْمَيْمَنَةُ وَالْمَيْسَرَةُ اهـ. قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى رَأْسِ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ) أَيْ: مِنْ الْهِجْرَةِ فَيَكُونُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ اهـ. سَيِّدُ عُمَرَ وَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ وَرِوَايَةٍ وَإِلَّا فَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ إلَخْ رَاجِعٌ إلَيْهِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَالْأَصْلِ فِيهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَذْكُرُوا مُقَدِّمَةً فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ فَلْنَذْكُرْ نُبْذَةً مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ فَنَقُولُ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ثُمَّ بَعْدَهَا قِيلَ: عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَقِيلَ: ابْنُ عَشْرٍ وَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ وَقِيلَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - ثُمَّ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ قَوْمِهِ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ مَبْعَثِهِ، وَأَوَّلُ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالدُّعَاءِ إلَى التَّوْحِيدِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ ثُمَّ نُسِخَ بِمَا فِي آخِرِهَا ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: نَادِرَةٌ جِدًّا إلَخْ) هَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ لَوْ أَمْكَنَتْ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَوْلُهُ: فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهَا إنْ أَرَادَهُ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ أَوْ بِاعْتِبَارِ الدَّلِيلِ لَمْ يَضُرَّ، وَقَوْلُهُ: وَكَانَ الْجِهَادُ مَقْصُودًا إلَخْ هَذَا لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْعَادَةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحَالَةِ الْهِدَايَةِ عَلَى الْعُمُومِ بِالدَّلِيلِ كَوْنُهَا مَقْصُودَةً فِي الْجِهَادِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْمَقْصُودِ مِنْهَا هُنَا