وَفِي الثَّانِيَةِ مَا إذَا قَالَ قَبِلْت بِذَلِكَ وَنَوَى بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ، وَإِلَّا فَالْتِزَامُ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ لَفْظٍ صَرِيحٍ فِيهِ وَلَا كِنَايَةٍ مَعَ النِّيَّةِ لَا يُوقِعُهُ وَيَجْرِي مَا ذَكَرْته فِي الْأُولَى فِي صُورَةِ بَذْلِهَا الْمَذْكُورَةِ إنْ قُلْنَا فِيمَا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا أَنَّ الْبَذْلَ يَصِحُّ كَوْنُهُ كِنَايَةً فِي الْإِبْرَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَعْيَانِ لَا غَيْرُ؛ إذْ حَقِيقَةُ الْبَذْلِ الْإِعْطَاءُ، وَحَقِيقَةُ الْإِبْرَاءِ الْإِسْقَاطُ، وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا التَّبَايُنُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِأَحَدِهِمَا الْآخَرُ فَإِنْ قُلْت الْإِبْرَاءُ تَمْلِيكٌ لَا إسْقَاطٌ فَصَحَّ اسْتِعْمَالُ الْبَذْلِ فِيهِ.

قُلْت: كَوْنُهُ تَمْلِيكًا إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ لَهُ لَا أَنَّهُ مَدْلُولُ لَفْظِهِ عَلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَلَا بِأَنَّهُ إسْقَاطٌ؛ لِأَنَّ لَهُمْ فُرُوعًا رَاعَوْا فِيهَا الْأَوَّلَ وَفُرُوعًا رَاعَوْا فِيهَا الثَّانِيَ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ أَكْثَرَ أَطْلَقَ كَثِيرُونَ عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ فَمَلْحَظُ ذَيْنِك لَيْسَ النَّظَرَ لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ بَلْ لِمُدْرَكِ مَا يَسْتَعْمِلُ فِيهِ، وَأَمَّا مَدْلُولُهُ الْأَصْلِيُّ فَهُوَ الْإِسْقَاطُ لَا غَيْرُ فَتَمَّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ عَلَّقَ بِالْبَرَاءَةِ، فَأَتَتْ بِلَفْظِ الْبَذْلِ لَمْ يَكْفِ، وَإِنْ نَوَتْهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ قَالَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ وَغَيْرُهُ وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ؛ وَلِذَا قِيلَ: إنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلدَّيْنِ، وَيُرَدُّ بِمَنْعِ أَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبَذْلَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَعْيَانِ لَا غَيْرُ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَتْ: بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي، وَهُوَ دَيْنٌ فَطَلَّقَ، وَلَمْ يَنْوِيَا جَعْلَ مِثْلِهِ عِوَضًا لِلطَّلَاقِ وَقَعَ رَجْعِيًّا كَمَا مَرَّ بِمَا فِيهِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تُبْرِئَهُ؛ لِأَنَّ الْبَذْلَ غَيْرُ الْبَرَاءَةِ، فَكَانَ كَلَامُهُ تَعْلِيقًا مُبْتَدَأً خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَقَعُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَمَا بَعْدَهُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِغَيْرِ مُوجِبٍ، وَالنَّظَائِرُ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا لَا تَشْهَدُ لَهُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ لِلْمُتَأَمِّلِ أَمَّا إذَا نَوَيَا جَعْلَ مِثْلِهِ عِوَضًا فَيَقَعُ بَائِنًا إنْ عَلِمَ، وَإِلَّا فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَعَلَاهُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَا دَامَ دَيْنًا لَا يَقْبَلُ الْعِوَضِيَّةَ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْبَذْلِ فِيهِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَالنَّذْرُ لَهُ بِالْمَهْرِ فِي إنْ أَبْرَأْتنِي مَرَّ حُكْمُهُ وَالْأَوْجَهُ فِي إنْ نَذَرْت لِي بِكَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَذَرَتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ مَا إذَا نَوَاهُ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَفِي كَوْنِهِ فِي مَعْنَى مَا ذُكِرَ نَظَرٌ بَلْ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ وَلَوْ سَلَّمَ فَإِنَّمَا فِيهِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى الْإِبْرَاءِ لَا تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ اهـ سم (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِيَةِ مَا إذَا إلَخْ) مُتَّجِهٌ جِدًّا إلَّا قَوْلَهُ فِي مُقَابَلَةِ إلَخْ عَلَى مَا حَرَّرْنَاهُ آنِفًا اهـ سَيِّدٌ عُمَرُ (قَوْلُهُ: وَيَجْرِي مَا ذَكَرْته فِي الْأَوْلَى إلَخْ) الَّذِي قَالَهُ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ تَلَفَّظَ بِهِ وَلَا يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: فِي مَسْأَلَةِ الْبَذْلِ الْمَذْكُورَةِ قَبِلَتْ فَهَلَّا حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ اهـ سم (قَوْلُهُ: الْمَذْكُورَةِ) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ اهـ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا التَّبَايُنُ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ التَّبَايُنَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ أَعْنِي الْإِعْطَاءَ وَالْإِسْقَاطَ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِمَا بَلْ فِي لَفْظِ الْبَذْلِ هَلْ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي وَلَا مَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ وَلَوْ مَجَازًا كَمَا فِي كُلِّ مَجَازٍ تَبَايَنَ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ مَعَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ تَأَمَّلْ اهـ سم (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ) أَيْ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ اهـ كُرْدِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا أَنَّهُ مَدْلُولُ لَفْظِهِ) قَدْ يَمْنَعُ اهـ سم (قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُهُ تَمْلِيكًا وَقَوْلُهُ الثَّانِي أَيْ كَوْنُهُ إسْقَاطًا وَقَوْلُهُ الْأُولَى أَيْ الْفُرُوعُ الْمَرْعِيِّ فِيهَا التَّمْلِيكُ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَيْ الْإِبْرَاءِ (قَوْلُهُ فَمَلْحَظُ ذَيْنِك) أَيْ الرِّعَايَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ لِمُدْرَكِ مَا يُسْتَعْمَلُ إلَخْ) بِالْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ، وَأَمَّا مَدْلُولُهُ الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ إلَخْ) قَدْ يُمْنَعُ اهـ سم (قَوْلُهُ: فَتَمَّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْمُنَافَاةِ إلَخْ) هَذَا مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْبَذْلِ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ يَقْتَضِي الْإِسْقَاطَ كَقَطْعِ تَعَلُّقِ الْبَاذِلِ بِذَلِكَ الْمَبْذُولِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَطْعَ لَازِمٌ لِذَلِكَ الْبَذْلِ فَإِنَّ مَنْ بَذَلَ لِغَيْرِهِ وَأَعْطَاهُ فَقَدْ انْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ بِذَلِكَ الْمَبْذُولِ اهـ سم (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ) إنْ أَرَادَ حَقِيقَةً لَمْ يُفِدْ، أَوْ وَلَا مَجَازًا فَمَمْنُوعٌ اهـ سم (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ) أَيْ الْبَذْلَ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ إلَخْ) إنْ أَرَادَ حَقِيقَةً لَمْ يُفِدْ، أَوْ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ اهـ سم (قَوْلُهُ: جَعَلَ مِثْلَهُ إلَخْ) سَيَذْكُرُ مُحْتَرَزَهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَطَلَّقَ ع ش اهـ سم (قَوْلُهُ: لَوْ قَالَ إلَخْ) أَيْ فِي جَوَابِ قَوْلِهَا بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي اهـ سم (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِرَدِّ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ جَعْلَ مِثْلِهِ) أَيْ الصَّدَاقِ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: إنْ عُلِمَ) أَيْ الصَّدَاقُ قَدْرًا وَصِفَةً (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا الصَّدَاقَ (قَوْلُهُ: لَوْ جَعَلَاهُ) أَيْ الْعِوَضَ نَفْسَهُ أَيْ نَفْسَ الصَّدَاقِ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْبَذْلِ إلَخْ) قَدْ مَرَّ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: مَرَّ حُكْمُهُ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ الْمَرِيضَةِ اهـ سم

ـــــــــــــــــــــــــــــSأَوَّلًا لِعَدَمِ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِهِ لِتَضَمُّنِهِ تَعْلِيقَهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا إذَا نَوَاهُ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَفِي كَوْنِهِ فِي مَعْنَى مَا ذُكِرَ نَظَرٌ بَلْ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ وَلَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا فِيهِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى الْإِبْرَاءِ لَا تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ.

(قَوْلُهُ وَيَجْرِي مَا ذَكَرْته فِي الْأُولَى فِي صُورَةِ بَذْلِهَا إلَخْ) الَّذِي قَالَهُ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَتَلَفَّظَ وَلَا يَحْتَمِلَ الْحَمْلَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: فِي مَسْأَلَةِ الْبَذْلِ الْمَذْكُورَةِ قَبِلْت فَهَلَّا حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا التَّبَايُنُ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ التَّبَايُنَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ أَعْنِي الْإِعْطَاءَ وَالْإِسْقَاطَ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِمَا بَلْ فِي لَفْظِ الْبَذْلِ هَلْ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي وَلَا مَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ وَلَوْ مَجَازًا كَمَا فِي كُلِّ مَجَازٍ تَبَايَنَ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ مَعَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا أَنَّهُ مَدْلُولُ لَفْظِهِ) قَدْ يُمْنَعُ (قَوْلُهُ فَهُوَ الْإِسْقَاطُ) قَدْ يَمْنَعُ (قَوْلُهُ: فَتَمَّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا) هَذَا مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْبَذْلِ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ يَقْتَضِي الْإِسْقَاطَ كَقَطْعِ تَعَلُّقِ الْبَاذِلِ بِذَلِكَ الْمَبْذُولِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَطْعَ لَازِمٌ لِذَلِكَ الْبَذْلِ فَإِنَّ مَنْ بَذَلَ لِغَيْرِهِ وَأَعْطَاهُ فَقَدْ انْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ بِذَلِكَ الْمَبْذُولِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ) إنْ أَرَادَ حَقِيقَةً لَمْ يَفِدْ، أَوْ مَجَازًا فَمَمْنُوعٌ لَكِنَّهُ يَتَّجِهُ تَوْجِيهُ عَدَمِ الْكِفَايَةِ بِأَنْ يُرَاعَى فِي التَّعْلِيقَاتِ الْأَلْفَاظُ وَلَا يُكْتَفَى بِمَعَانِيهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ) إنْ أَرَادَ حَقِيقَةً لَمْ يُفِدْ، أَوْ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَطَلَّقَ ش (قَوْلُهُ: مَا لَوْ قَالَ) أَيْ فِي جَوَابِ قَوْلِهَا بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي (قَوْلُهُ مَرَّ حُكْمُهُ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ الْمَرِيضَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015