لِأَنَّ الضَّمَانَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ بَاطِلٌ وَدَلِيلُ بُطْلَانِ الْإِبْرَاءِ قَوْلُ الْأُمِّ وَتَبِعُوهُ لَوْ صَالَحَهُ مِنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسمِائَةٍ صُلْحَ إنْكَارٍ ثُمَّ أَبْرَأهُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ ظَانًّا صِحَّةَ الصُّلْحِ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي أَبْرَأَ مِنْهَا وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَتَى الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ بِالنُّجُومِ فَأَخَذَهَا مِنْهُ وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ الْمَالُ مُسْتَحَقًّا بِأَنْ عُدِمَ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَهُ بِظَنِّ سَلَامَةِ الْعِوَضِ وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَتَى بِالْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِي بَيْعٍ عَلَى ظَنِّ صِحَّةِ الشَّرْطِ بَطَلَ أَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِفَسَادِهِ صَحَّ وَلَا يُنَافِيه صِحَّةُ الرَّهْنِ بِظَنِّ الْوُجُوبِ لِمَا مَرَّ فِي الْمَنَاهِي وَلِمَا ذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ ذَلِكَ.

قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَانِيَ الْأَمْرِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْبَاطِنِ لَا يُؤَاخِذُ بِهِ وَتَزْيِيفُ الْإِمَامِ لِقَوْلِ الْقَاضِي الْمُوَافِقِ لِذَلِكَ مُزَيَّفٌ اهـ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي تَصْدِيقِهِ مِنْ قَرِينَةٍ تَقْضِي بِصِدْقِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الظَّنِّ وَوَقَعَ لِجَمْعِ مُفْتِينَ وَغَيْرِهِمْ اعْتِمَادُ خِلَافِ بَعْضِ مَا قَرَرْنَاهُ فَاحْذَرْهُ وَلَوْ أَبْرَأَهُ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ بَرِئَ فِيهِمَا لِأَنَّ أَحْكَامَ الْآخِرَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدُّنْيَا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مِثْلَهُ عَكْسُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ لَكِنْ مَرَّ صِحَّةُ تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا مِثْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِمَّا لِي عَلَيْك وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَصْلِيٌّ وَدَيْنُ ضَمَانٍ بَرِئَ مِنْهُمَا.

[فصل في قسم الضمان الثاني وهو كفالة البدن]

(فَصْلٌ) فِي قَسْمِ الضَّمَانِ الثَّانِي وَهُوَ كَفَالَةُ الْبَدَنِ وَفِيهَا خِلَافُ أَصْلِهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهَا ضَعِيفَةٌ (وَالْمَذْهَبُ) مِنْهُ (صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ) وَهِيَ الْتِزَامُ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ شَائِعٌ كَعُشْرِهِ أَوْ مَا لَا بَقَاءَ بِدُونِهِ كَرُوحِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ قَلْبِهِ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهَا وَمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُدْخِلُهُ تَحْتَ الْيَدِ وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فَلَا يَصِحُّ كَفَلْتُ بَدَنَ أَحَدِ هَذَيْنِ (فَإِنْ كَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (بَدَنَ) عَدَّاهُ كَغَيْرِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى ضَمِنَ لَكِنْ قِيلَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ إلَّا مُتَعَدِّيًا بِالْبَاءِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ م ر فِي شَرْحِهِ اهـ سم (قَوْلُهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ ضَمِنْت مَا عَلَيْهِ بِشَرْطِ إبْرَائِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ أَبْرِئْهُ وَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدُ الضَّمَانِ بِالْبَرَاءَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سَيِّدُ عُمَرَ أَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَخْذِ وَالْمَأْخُوذِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ مُخَالِفٌ لِمُفَادٍ كَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَتَى الْمُكَاتَبُ إلَخْ) ثُمَّ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَتَى بِالْبَيْعِ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْأُمِّ (قَوْلُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِنْشَاءَ فَرَاجِعْهُ اهـ سم.

أَقُولُ التَّعْلِيلُ الْآتِي وَمَا بَعْدَهُ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ بَطَلَ) أَيْ الْبَيْعُ الْمَشْرُوطُ (قَوْلُهُ أَوْ مَعَ عِلْمِهِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى ظَنِّ إلَخْ (قَوْلُهُ بِفَسَادِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ وَلَا يُنَافِيه) أَيْ قَوْلُهُمْ لَوْ أَتَى بِالْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ إلَخْ وَكَذَا الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَهَذَا وَقَوْلُهُ نَحْوُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ م ر لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ اهـ.

وَالْمُرَادُ بِمُقْتَضِيهِ وُجُودُ الدَّيْنِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ قَالَ وَهَذَا إلَخْ) جَوَابُ لِمَا (قَوْلُهُ مُخَالِفًا إلَخْ) حَالَ مَنْ مَا اعْتَقَدَهُ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ اهـ ع ش وَقَالَ السَّيِّدُ عُمَرَ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ الدَّيْنَ فِي الدُّنْيَا لَزِمَ إسْقَاطُهُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُطَالَبُ فِيهَا بِمَا اسْتَحَقَّهُ فِي الدُّنْيَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ لِأَنَّ أَحْكَامَ إلَخْ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَسْقَطْتُ مِنْك الْمُطَالَبَةَ فِي الْآخِرَةِ إنْ مِتُّ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلَا أُسْقِطُ الْمُطَالَبَةَ عَنْك بَلْ أَنَا مَطَالِبُ لَك فِيهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعْلِيلَ وَالِاقْتِصَارَ فِي التَّصْوِيرِ مُشْعِرٌ أَنَّ بِالْفَرْقِ فِي نَظَرِهِمْ أَيْ إشْعَارٌ فَتَأَمَّلْهُ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ مُتَجَنِّبًا لِلِاعْتِسَافِ اهـ.

(قَوْلُهُ لَكِنْ مَرَّ إلَخْ) أَيْ فِي شَرْحٍ وَالْإِبْرَاءُ إلَخْ (قَوْله فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ) وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا مَرَّ عَنْ السَّيِّدِ عُمَرَ خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ ع ش (قَوْلُهُ بَرِئَ مِنْهُمَا) أَيْ فَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ الْإِبْرَاءَ مِنْ دَيْنِ الضَّمَانِ دُونَ الثَّمَنِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ اهـ ع ش

[فَصْلٌ فِي قَسْمِ الضَّمَانِ الثَّانِي وَهُوَ كَفَالَةُ الْبَدَنِ]

(فَصْلٌ فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ) (قَوْلُهُ فِي قِسْمِ الضَّمَانِ إلَخْ) أَيْ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَكَوْنِهِ يَغْرَمُ أَوَّلًا اهـ ع ش ثُمَّ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ بَدَنُ إلَخْ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ الثَّانِي) نَعْتٌ لِلْمُضَافِ (قَوْلُهُ وَهُوَ كَفَالَةُ الْبَدَنِ) وَيُسَمَّى أَيْضًا كَفَالَةُ الْوَجْهِ اهـ.

مُغْنِي (قَوْلُهُ أَصْلُهُ) أَيْ الْخِلَافُ وَكَذَا ضَمِيرٌ مِنْهُ اهـ ع ش (قَوْلُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) خَبَرُ أَصْلُهُ (وَقَوْلُهُ أَنَّهَا) أَيْ كَفَالَةَ الْبَدَنِ (ضَعِيفَةٌ) مَقُولُ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ أَوْ مَا لَا بَقَاءَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى الْمَكْفُولِ وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ مَا عَطْفًا عَلَى شَائِعٍ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ كَرُوحِهِ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْمُتَكَفَّلُ بِجُزْئِهِ حَيًّا نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَلْبِهِ) أَوْ كَبِدِهِ أَوْ دِمَاغِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ اهـ سم (قَوْلُهُ لِإِطْبَاقِ النَّاسِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ عَمَّا يُورِدُهُ عَلَيْهِ مُقَابِلُهُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ قِيلَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ وَالْكَفِيلُ الضَّامِنُ وَقَدْ كَفَلَ بِهِ يَكْفُلُ بِالضَّمِّ كَفَالَةً وَكَفَلَ عَنْهُ بِالْمَالِ لِغَرِيمِهِ وَأَكْفَلَهُ الْمَالَ ضَمَّنَهُ إيَّاهُ وَكَفَلَهُ إيَّاهُ بِالتَّخْفِيفِ فَكَفَلَ هُوَ بِهِ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَدَخَلَ وَكَفَلَهُ إيَّاهُ تَكْفِيلًا مِثْلُهُ وَتَكَفَّلَ بِدَيْنِهِ وَالْكَافِلُ الَّذِي يَكْفُلُ إنْسَانًا يَعُولُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] اهـ ع ش (قَوْلُهُ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ)

ـــــــــــــــــــــــــــــSوَأَمَّا إنْ كَانَ هَذَا الِالْتِزَامُ لَا بِطَرِيقِ النَّذْرِ بَلْ فِي مُقَابَلَةِ النُّزُولِ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ ذَلِكَ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ تَصِحُّ كَمَالِ الْخُلْعِ اهـ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّذْرِ جَزَمَ الشَّارِحُ بِصِحَّةِ إبْرَاءِ الْمَنْذُورِ لَهُ النَّاذِرَ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ حَيْثُ سَاغَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَفِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ عَدَمُ صِحَّةِ إبْرَاءِ الْمُسْتَحِقِّ الْمُنْحَصِرِ فِي ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ وَقْتٌ لِوُجُوبٍ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا التَّعَبُّدُ (قَوْلُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِنْشَاءَ فَرَاجِعْهُ.

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ أَوْ قَلْبِهِ) أَوْ كَبِدِهِ أَوْ دِمَاغِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى ضَمِنَ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَوْنَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي تَعْدِيَتَهُ بِنَفْسِهِ وَقَضِيَّةُ شَرْحِ الرَّوْضِ عَكْسُهُ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ كَفَلَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] فَلِمَ عَدَّاهُ الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِهِ قُلْت ذَاكَ بِمَعْنًى عَالٍ وَمَا هُنَا بِمَعْنًى ضَمِنَ وَالْتَزَمَ وَاسْتِعْمَالُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015