عُلِمَ بِالْأَوْلَى جَوَازُ اخْتِلَافِهِمَا فِي حَاضِرَيْنِ أَوْ غَائِبَيْنِ

(وَالدَّفْنُ بِالْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ) لِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ لَهُ بِتَكْرِيرِ الزَّائِرِينَ وَالْمَارِّينَ وَدَفْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُجْرَةِ عَائِشَةَ لِأَنَّ مِنْ خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ وَإِفْتَاءُ الْقَفَّالِ بِكَرَاهَةِ الدَّفْنِ بِالْبَيْتِ ضَعِيفٌ وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ نَدْبَ غَيْرِ الْمَقْبَرَةِ لِنَحْوِ شُبْهَةٍ بِأَرْضِهَا أَوْ مُلُوحَةٍ أَوْ نَدَاوَةٍ أَوْ لِنَحْوِ مُبْتَدِعَةٍ أَوْ فَسَقَةٍ فِسْقًا ظَاهِرًا بِهَا وَنُدِبَ دَفْنُ الشَّهِيدِ بِمَحَلِّهِ أَيْ وَلَوْ بِقُرْبِ مَكَّةَ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّ «قَتْلَى أُحُدٍ نُقِلُوا لِلْمَدِينَةِ فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَدِّهِمْ لِمَضَاجِعِهِمْ فَرُدُّوا إلَيْهَا» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَيَحْرُمُ نَقْلُهُ لِلْمَقْبَرَةِ إنْ أَدَّى لِانْفِجَارِهِ بَلْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ خَشِيَ انْفِجَارَهُ مَنْ حَمَلَهُ عَنْ مَحَلِّ مَوْتِهِ وَجَبَ دَفْنُهُ بِهِ إنْ أَمْكَنَ وَلَوْ مَلَكَهُ

(وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ بِهَا) لِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ نَعَمْ لَوْ قِيلَ بِنَدْبِهِ حَيْثُ تَيَقَّنَ انْتِفَاءُ الْوَحْشَةِ وَحَمْلُهُ ذَلِكَ عَلَى دَوَامِ تَذَكُّرِ الْمَوْتِ وَالْبِلَى الْمُسْتَلْزِمِ لِلْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَبْعُدْ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ الْآتِي أَنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ

(وَيُنْدَبُ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ) مَثَلًا عِنْدَ إدْخَالِ الْمَيِّتِ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ) الْمَيِّتُ (رَجُلًا) لِئَلَّا يَنْكَشِفَ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ لِخُنْثَى وَامْرَأَةٍ آكَدَ احْتِيَاطًا (وَأَنْ يَقُولَ) الَّذِي يُدْخِلُهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ عُلِمَ بِالْأَوْلَى إلَخْ) فَالْحَاصِلُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ نَوَى الْمَأْمُومُ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ مَنْ نَوَاهُ الْإِمَامُ لَشَمِلَ الْأَرْبَعَ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ

قَوْلُ الْمَتْنِ (وَالدَّفْنُ بِالْمَقْبَرَةِ إلَخْ) وَيُسَنُّ الدَّفْنُ فِي أَفْضَلِ مَقْبَرَةٍ بِالْبَلَدِ كَالْمَقْبَرَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالصَّالِحِينَ وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُدْفَنُ فِي مُلْكِي أَوْ فِي أَرْضِ التَّرِكَةِ وَالْبَاقُونَ فِي الْمَقْبَرَةِ أُجِيبَ طَالِبُهَا فَإِنْ دَفَنَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَمْ يُنْقَلْ أَوْ فِي أَرْضِ التَّرِكَةِ فَلِلْبَاقِينَ لَا الْمُشْتَرِي نَقْلُهُ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ وَالْمَدْفِنُ لَهُ إنْ بَلِيَ الْمَيِّتُ أَوْ نُقِلَ مِنْهُ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي مَقْبَرَتَيْنِ وَلَمْ يُوصِ الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا أُجِيبُ الْمُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ فَإِنْ اسْتَوَوْا أَقْرَعَ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً أُجِيبَ الْقَرِيبُ دُونَ الزَّوْجِ وَهَذَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مَحَلُّهُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ التُّرْبَتَيْنِ وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمَيِّتِ فَيُجَابُ الدَّاعِي إلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ إحْدَاهُمَا أَقْرَبَ وَأَصْلَحَ أَوْ مُجَاوَرَةَ الْأَخْيَارِ وَالْأُخْرَى بِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلَحِ مَنَعَهُمْ الْحَاكِمُ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ الْمَقْبَرَةُ مَغْصُوبَةً أَوْ اشْتَرَاهَا ظَالِمٌ بِمَالٍ خَبِيثٍ ثُمَّ سَلَبَهَا أَوْ كَانَ أَهْلُهَا أَهْلَ بِدْعَةٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ كَانَتْ تُرْبَتُهَا فَاسِدَةً لِمُلُوحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ كَانَ نَقْلُ الْمَيِّتِ إلَيْهَا يُؤَدِّي إلَى انْفِجَارِهِ.

فَالْأَفْضَلُ اجْتِنَابُهَا بَلْ يَجِبُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ فِي سَفِينَةٍ وَأَمْكَنَ مِنْ هُنَاكَ دَفْنُهُ لِكَوْنِهِمْ قُرْبَ الْبَرِّ وَلَا مَانِعَ لَزِمَهُمْ التَّأْخِيرُ لِيَدْفِنُوهُ فِيهِ وَإِلَّا جُعِلَ بَيْنَ لَوْحَيْنِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَأُلْقِيَ لِيَنْبِذَهُ الْبَحْرُ إلَى مَنْ لَعَلَّهُ يَدْفِنُهُ وَلَوْ ثَقُلَ بِشَيْءٍ لِيَنْزِلَ إلَى الْقَرَارِ لَمْ يَأْثَمُوا وَإِذَا أَلْقُوهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ أَوْ فِي الْبَحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ غَسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ دَفْنُ مُسْلِمٍ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَلَا عَكْسُهُ وَإِذَا اخْتَلَطُوا دُفِنُوا فِي مَقْبَرَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ كَمَا مَرَّ وَمَقْبَرَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا انْدَرَسَتْ جَازَ أَنْ تُجْعَلَ مَقْبَرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَسْجِدًا لِأَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ كَذَلِكَ وَلَوْ حَفَرَ شَخْصٌ قَبْرًا فِي مَقْبَرَةٍ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ مَيِّتٍ آخَرَ يَحْضُرُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي بِأَيِّ أَرْضٍ يَمُوتُ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُزَاحِمَ عَلَيْهِ أَيْ إذَا مَاتَ وَحَضَرَ مَيِّتٌ آخَرُ وَلَمْ يُدْفَنْ فِيهِ أَحَدٌ مُغْنِي وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِفْتَاءُ الْقَفَّالِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي وَالْأَسْنَى وَالنِّهَايَةُ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الدَّفْنَ بِالْبَيْتِ مَكْرُوهٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ إلَيْهِ حَاجَةٌ أَوْ مَصْلَحَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ اهـ قَالَ سم وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ يَصْدُقُ بِخِلَافِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِمَّا أَحْدَثَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ اهـ.

(قَوْلُهُ لِنَحْوِ شُبْهَةٍ إلَخْ) أَيْ شُبْهَةِ غَصْبٍ وَادْخُلْ بِالنَّحْوِ كَوْنُ ثَمَنِهَا خَبِيثًا (قَوْلُهُ أَوْ لِنَحْوِ مُبْتَدِعَةٍ إلَخْ) أَيْ كَظُلْمَةٍ وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ بِغَالِبِ أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي أَوْ كَانَ أَهْلُهَا أَهْلَ بِدْعَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى نَدْبِ غَيْرِ الْمَقْبَرَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَتْلَى أُحُدٍ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ قَضِيَّةُ هَذَا الدَّلِيلِ وُجُوبُ دَفْنِهِ بِمَحِلِّهِ لَا نَدْبُهُ سم أَيْ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ نَقْلُهُ) أَيْ نَقْلُ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ وَلَوْ مَلَكَهُ) لَعَلَّ الْمُنَاسِبَ مِلْكَ غَيْرِهِ

قَوْلُ الْمَتْنِ (وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ بِهَا) أَيْ الْمَقْبَرَةُ وَفِي كَلَامِهِ إشْعَارٌ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي الْقَبْرِ الْمُنْفَرِدِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِصَحْرَاءَ أَوْ فِي بَيْتٍ مَسْكُونٍ انْتَهَى وَالتَّفْرِقَةُ أَوْجَهُ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ التُّرَبِ مَسْكُونَةٌ كَالْبُيُوتِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ كَانَ مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا فِي الْمَبِيتِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ زِيَارَةٍ لَمْ يُكْرَهْ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي

(قَوْلُهُ عِنْدَ إدْخَالِ الْمَيِّتِ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ ذَلِكَ عِنْدَ وَضْعِهِ فِي النَّعْشِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا ع ش (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ) أَيْ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَتَرَ قَبْرَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» مُغْنِي وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ كَانَ لِخُنْثَى أَوْ امْرَأَةٍ آكَدُ) أَيْ مِنْهُ لِرَجُلٍ وَلِامْرَأَةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــSأَيْضًا لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ أَشْكَلَ جَوَابُ الْجُمْهُورِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ تَرْكِنَا لَهَا أَيْضًا وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الزَّجْرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى عَلَيْهِ لَمْ يُحْتَجْ لِجَوَابٍ

(قَوْلُهُ وَإِفْتَاءُ الْقَفَّالِ بِكَرَاهَةِ الدَّفْنِ بِالْبَيْتِ ضَعِيفٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ اهـ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ يَصْدُقُ بِخِلَافِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِمَّا أَحْدَثَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَتْلَى أُحُدٍ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ قَضِيَّةُ هَذَا الدَّلِيلِ وُجُوبُ دَفْنِهِ بِمَحَلِّهِ لَا نَدْبُهُ (قَوْلُهُ فَرَدُّوا إلَيْهَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ نُقِلَ عَنْ مَحَلِّهِ طُلِبَ رَدُّهُ إلَيْهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015