تُذكِّرُ جنَّاتِ الخلودِ حدائقٌ ... زواهرُ لا الزَّهراءُ منها ولا الخُلد
فأسحارُها تُهدي لها الطيبَ مَنْبجٌ ... وآصالُها تُهدي الصَّبا نحوها نجدُ
أنافَ على شُمِّ القُصورِ فلم تَزَلْ ... تَنَهَّدُ وجداً للقُصور وتَنهدُّ
رَحيبُ المَغاني لا يضيق بوَفْدِهِ ... ولو أنَّ أهلَ الأرضِ كلَّهُمُ وَفد
تلاقَى لديه النَّور والنُّور فانجلتْ ... تفاريقَ عن ساحاتهِ الظُّلَمُ الرُّبد
وسُجن أبو الصلت بمصر، فقال في ذلك:
عَذيريَ من دهرٍ كأنِّي وَترتُه ... بباهِرِ فَضلي فاستقادَ به منِّي
تَعجَّلني بالشَّيبِ قبلَ أوانهِ ... فجرَّعني الدُّرديَّ من أوَّلِ الدَّنّ
وما مرَّ بي كالسّجنِ فيه مُلمَّةٌ ... وشرٌّ من السّجنِ المُصاحَبُ في السّجن
أظُنُّ اللَّيالي مُبْقِياتي لحالةٍ ... تُبدِّلُ فيها حياتي هذه عنِّي
وإلاَّ فما كانتْ لتَبْقَى حُشاشتي ... على طولِ ما ألقى من الضَّيمِ والغَبنِ
وقالوا حديثُ السِّنّ يسْمو إلى العُلا ... كأنَّ العُلا وقفٌ على كِبَرِ السنِّ
وما ضرَّني سنُّ الحَداثة والصِّبا ... إذا لم يَضْفُ خُلْقي إلى النَّقصِ والأفْنِ
فعلْمٌ بلا دَعوى ورأيٌ بلا هوًى ... ووعدٌ بلا خُلْفٍ ومنٌّ بلا مَنِّ
متى صَفَتِ الدُّنيا لحُرٍّ فأبتغي ... بها طيبَ عَيشي أو خُلُوِّي من الحُزْنِ
وهل هي إلاَّ دارُ كُلِّ مُلِمَّةٍ ... أمضُّ لأحشاءِ اللَّبيبِ من الطَّعنِ