تحفه القادم (صفحة 75)

كثر التولع بهذه الأبيات عام أحد وأربعين وستمائة، فأنشدني في ذاك لنفسه الخطيب أبو القاسم بن معاوية اليحصبي صاحبنا، واسمه كنيته، ويكنى أبا الفضل:

وبحرٍ طافح الشطَّين صافٍ ... نأَى عرضاه في عرضٍ وطولِ

تُوافيه الجداولُ وهْي حَسْرَى ... فتشكو بثَّها شكوَى العليلِ

كأنَّ الموجَ في عبرَيْه ترسٌ ... تُذهِّب مَتْنهُ كفُّ الأصيلِ

تفيءُ عليه دائحةٌ حسانٌ ... فتُؤوِيَه إلى ظلٍّ ظليلِ

كأنَّ مكانَ فيءِ الظلِّ منه ... مكانُ اللمسِ من سيفٍ صقيلِ

وللخطيب أبي القاسم أيضاً:

ويومٍ عكفنا طولَه نجتني المُنَى ... بأعذبِ نهرٍ في ألذِّ نهارِ

لدى ربوةٍ غنَّاءَ طيبةِ الثرى ... وذات معين سائح وقرار

على رفرف خضر بسطن لدوحة ... وَرُدِّينَ من أمثالها بازار

فجَدْوَلُه في سرحةِ الماءِ مُنصُلٌ ... ولكنَّه في الجزعِ عطفُ سوارِ

وأمواجه أردافُ غيدٍ نواعمٍ ... يُلَفَّعنَ بالآصال رَيْطَ نُضارِ

إذا قابلتْهُ الشَّمسُ أذكاه نورها ... فبُدِّلَ منه الماءُ جذوةَ نارِ

يفيءُ عليه الدوحُ ظلاًّ مضاعَفاً ... فيرجعُ منه بدره لسرارِ

كأنَّ مكانَ الظلّ صفحةُ وجنةٍ ... أظلَّتْ عليها خضرةٌ لعذارِ

أو البكر حاذتْ بالسَّجَنْجَل خدَّها ... وقد سترتْ من بعضه بخمارِ

وقلت أنا:

ونهرٍ كما ذابت سبائكُ فضَّةٍ ... حكى بمحانيه انعطافَ الأراقمِ

إذا الشفقُ استولى عليه احمرارُهُ ... تبدَّى خضيباً مثلَ دامي الصوارمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015