شيخنا، رحمه الله حدَّثه قال: كنَّا يوماً بسَبتة في جُملة من الطلبة، ومعنا أبو الطاهر إسماعيل بن مسعود، وكان أبو الطاهر هذا أديباً شاعراً فاضلاً، فمرَّ بنا رجل صَنَع، وفي يده مِحبرة أبنوس، وقد احتفل في عملها وتأَنق في حِليتها، فأراناها وقال: إن هذه المحبرة أريد أن أقصد بها بعض الكُبراء وأرغب أن تُتِمُّوا لي احتفالي فيها، بأن تصنعوا لي بينكم أبياتَ شعرٍ أدفعها معها، رجاءَ أن يكون ذلك أنجحَ لغرضي منها. قال أبي: فأطرقنا نفكِّرُ في مَطلبه، وبَدَرَنا أبو الطاهر، فقال:
وافْتك من عُددِ العُلا زِنجيَّةٌ ... في حُلّةٍ من حِليةٍ تتبخترُ
سوداءُ صفراءُ الحليِّ كأنَّها ... ليلٌ تُطرِّزُهُ نجومٌ تَزْهر
فسُرَّ الرَّجُل بها وسأل كَتْبَها، فكُتبت له. وانفصل عنَّا شاكراً ما كان من إسعافه. فلم يغبْ عنَّا إلاَّ يسيراً، وإذا به قد عاد إلينا وفي يده قلم نُحاس مُذهَّبٌ، فقال لنا: وهذا مما أعددته للدفع مع هذه المِحبرة، وأُنسيت قبلُ ذِكرَهُ لكم، فتفضَّلوا بإكمال الصنيعة، فبَدَرَ أيضاً أبو الطاهر وقال:
حَملتْ بأصفرَ من نِجَارِ حُلِيِّها ... تُخفيهِ أحياناً وحيناً يظهرُ
خَرسانُ إلاَّ حين يرضعُ ثَديها ... فتراه يَنْطِقُ ما يشاءُ ويَذْكر
وحُكي لي أن أبا الطاهر هذا حضر مع جماعة من أصحابه، فيهم أبو عبد الله ابن زرقون متنزِّهاً في بعض الأعوام، وفي عَقب شعبان منه. فلما تملأوا بالطعام، قال أبو الطاهر لابن زرقون: أجزْ يا أبا عبد الله، فقال:
حَمِدْتُ لشعبانَ المُباركِ شَبعةً ... تُسهِّلُ عندي الجُوعَ في رمضانِ
كما حَمِدَ الصَّبُّ المُتَيَّمُ زَورةً ... تحمَّل فيها الهجرَ طولَ زمانِ