الدنانير وهي يسيرة في جنب استحقاقات. فقلت: ما أجسر على قبول شيء مع ما جرى. وبكر أخي إلى الديوان، وابتدأ بالنظر في أمور الأعمال التي في ضمان محمد ابن جعفر، وأخرج إليه ما ألزمه فيه عند المناظرة نحو خمسين ألف دينار.
وحدث أبو محمد الحسن بن محمد الصلحي قال: حدثني أبو الحسن بن ظفر الكرخي بمصر قال: كنت أكتب لأبي علي الحسين بن أحمد المادرائي. ووافى أبو الحسن علي بن عيسى من مكة في أيام وزارة أبي القاسم عبد الله بن محمد ابن خاقان للإشراف على مصر والشام، فدخل إلى مصر وتحته حمار وعليه طيلسان. وكان المتولي للمعونة تسكين، فتلقاه وترجل له، وعظمت هيبته في النفوس جداً. وجلس ونظر. ثم ركب في بعض الأيام متفرجاً وعاد، فحين دخل من باب الدهليز ونحن مجتمعون في داره لإنتظاره صاح: اللصوص. ففزعنا كلنا خوفاً من أن يكون قد وقف لنا على خيانة. فلما استقر في مجلسه قال: يا معشر الناس اجتزت الساعة على جسر قارون وهو بزند من البزندات، وتسمى البزندات بمصر جسوراً فقدرت النفقة عليه عشرة دنانير ووجدت العمال يحتسبون عنه على السلطان ستين ألف دينار كل سنة. وكرر ذلك وأكثر التعجب منه والقول فيه، وكان أبو علي حاضراً، فلم يجبه عن كلامه، فقال: الشأن أنني أقول ما أقوله فلا تجيبني عنه يا أبا علي! فنهض وانصرف. واغتاظ أبو الحسن علي ابن عيسى من ذلك، وأطبق دواته وقال: لعن الله أمر السلطان إذا انتهي إلى هذا الحد. وقام ودخل، وانصرف الناس، ومضيت إلى أبي علي قلقاً بما شاهدته وسمعته، ووجدته قد أنفذ خادماً إلى علي بن عيسى يستأذنه في حضوره عنده على خلوة. فأذن له، ومضى وأطال، فجلست أنتظره. فلما عاد سألته عما جرى