بما أفسد رأيه فيه، وذكر بما كان كاشفه فيه في أيام ابن الفرات الأخيرة، وما عامل به إبراهيم وعبد الله أخويه من القبيح قولاً وفعلاً، فاستوحش وأشفق واقتصر على أن وقف لعلي بن عيسى في الطريق، وترجل له، وعاد إلى منزله ولم يجسر على حضور داره. وكان يتقلد مع ديوان المصادرين كتابة أحمد بن بدر العم، فلما تأخر عن علي بن عيسى وقع إليه: لم أرك مد الله في عمرك أحضرتني عملا للمصادرات التي تتقلد ديوانها، ولا أنفذت إلي كتاباً بالمطالبة بشيء من مالها، ولا أخرجت إلي ما تعلم شدة الحاجة إليه من أحوال ضمانات الضمناء التي ضمنوها، وبلغني أنك متشاغل عن هذه الأعمال بغيرها، فينبغي أكرمك الله أن تخرج إلي سائر ما قبلك، وتجري على عادتك في خدمتي وملازمة حضرتي إن شاء الله. فأجابه هشام: بأنه حضر الدار للخدمة فوجد الوزير قد قام من مجلسه وعزم على الرواح وملازمة الخدمة التي يتشرف بها وأنه إنما أخر إخراج ما على المصادرات لعلمه بمذهب الوزير في البحوث عن الظلم. وعمل على المشافهة بما عنده ليخرج من المصادرات ما هو واجب مما لم يجر فيه تحريف ولا حيف. فوقع إليه: أخرج ما عندك كائناً ما كان، وبين وجوهه

وأسبابه لأتقدم فيه بما يوفق الله إن شاء الله. وحضر هشام مجلسه، فقال له: ليس من مذهبي أن أذكر إساءة أحد، ولما خلصني الله تعالى من صنعاء وعدت إلى مكة عاهدته سبحانه على ترك مقابلة كل من سعي علي في ولايتي ولكبتي، ووكلت جميعهم إلى الله. ولك خدمة قديمة توجب لك حقاً، وعليك أضعافه، فإذا لم ترع ما يلزمك لم أدع رعاية ما يلزمني. ثم قال له: أموال الصدقات بفارس وكرمان معقودة على أبي عيسى أحمد بن بدر العم، وقد حل منها ثلاثمائة ألف درهم، والضرورة قائدة إلى مطالبته بأداء ذلك في بيت مال العامة لأسبب له عوضه على المسمعي من مال ضمانة الضياع والخراج بفارس، وأريد أن تكتب لي خطك بعشرة آلاف دينار من ذلك. فكتب له بمائة ألف درهم، ووقع لأهل الصدقات بالعوض منها على المسمعي، ثم ذكر له هشام أن على إسحاق بن إسماعيل من مال ضمانة النهروانات، وعلى نصير بن علي من مال ضمانة طريق خراسان وموات جلولاً، وعلى محمد بن الحسن الكرخي الملقب بالجرو من مال ضمانة نهر بوق والزاب الأسفل، وعلى ابن عرفة خليفة محمد بن القاسم الكرخي من مال الأعمال التي يتولاها صاحبه، وعلى محمد وجعفر ابني جعفر الكرخي من مال مصادرتهما، وعلى محمد بن الحسن كاتب المسمعي من مال ضمانة أعمال فارس وكرمان، وعلى خليفته ابن رستم من مال أصبهان، أموالاً كثيرة، وأنهم لم يؤدوا منذ وقع اسمه على الوزارة إلا شيئاً يسيراً. وأنه قد أحضر خطوطهم بأعيانها، وعملاً بأصول ما عليهم وما أدوه، وبقي خطوط المصادرين بما تقررت عليه أمورهم، وعملاً مفصلاً بما بقي منها على كل واحد منهم. وقال: سبيل ذلك كله أن يستوفى. فأمره علي بن عيسى بتسليم الخطوط إلى صاحب دواته بثبت، وتسلم هو العملين بيده، وقرأهما، وتقدم إلى أبي القاسم الكلوذاني بالاجتماع مع هشام على المطالبة بالمال والجد في ذلك حتى يصح في ثلاثة أيام. وأخرج علي بن عيسى جميع الأعمال إلى أبي القاسم الكلوذاني، ولزم أصحاب الدواوين مجلسه في دار علي ابن عيسى حتى ظن أنه خليفته على الدواوين كلها. فلما أخرج الكلوذاني كل ما عنده إلى علي بن عيسى وتشاغل بما أمره به من مطالبة الضمناء والمصادرين قال له علي بن عيسى: إليك أجل الدواوين، وإن ارتسمت بخلافتي اختل ما إليك منها، وليس يقوم أحد مقامك في ذلك، فينبغي أن تتوفر على ذلك فسر الكلوذاني بهذا القول لأنه خاف أن يرد ديوان السواد إلى عبد الرحمن أخيه على ما كان فعله في وزارة حامد، ويحصل هو على خلافة لا يوفيه علي بن عيسى حكمها، لأن من مذهبه أن ينظر في الأعمال بنفسه ليلاً ونهاراً. وعول على عبد الرحمن أخيه وسليمان بن الحسن في عمل من الأعمال للضمناء والعمال مما يخرجه إليهما أصحاب الدواوين، وفي مكاتبة عمال الخراج والضياع والمعاون في نواحي المغرب عنه، والنظر في سائر أعمال المغرب كما ينظر صاحب الديوان، فتحققا به ولازما مجلسه، وتجدد إشفاق هشام واستيحاشه، وذاك أنه بلغه حضور أولاد إبراهيم بن عيسى عند عمهم علي بن عيسى فلما رآهم دمعت عينه وقال: ترك أبوهم العمل معي في وزارة حامد طلباً للسلامة فلم ينفعه ذاك وأفقره ابن الفرات ثم سلمه إلى من قتله. فقال له من كان بحضرته: الذي جرى عليه من هشام مكروهاً وشتما له ولآل الجراح كلهم أعظم من القتل وخفف هشام الحضور في دار علي بن عيسى، وكان ينفذ إليه الأعمال من غير أن يلقاه. وزاد ما يتأدى إليه من ذكر أصحاب علي بن عيسى له وتضريتهم إياه عليه، فاستتر وستر حرمه، ولم يعرض له علي بن عيسى، ووقع إليه بعد أيام من استتاره توقيعاً جميلاً فأجاب عنه بأنه قد كان واثقاً بتفضل الوزير عليه وصفحه عنه. وعمل على ملازمة الخدمة ألى أن أكثر أعداؤه من الإغراء به والوقيعة فيه، فأقام في منزله واثقاً بنيته ومعولاً على عفوه ورأفته. فوقع إليه: ما صرفتك أكرمك الله فإن أحببت الحضور والخدمة وإلا فالله لك بالرشد. فلم يسكن وأقام على الاستتار. ابه لأتقدم فيه بما يوفق الله إن شاء الله. وحضر هشام مجلسه، فقال له: ليس من مذهبي أن أذكر إساءة أحد، ولما خلصني الله تعالى من صنعاء وعدت إلى مكة عاهدته سبحانه على ترك مقابلة كل من سعي علي في ولايتي ولكبتي، ووكلت جميعهم إلى الله. ولك خدمة قديمة توجب لك حقاً، وعليك أضعافه، فإذا لم ترع ما يلزمك لم أدع رعاية ما يلزمني. ثم قال له: أموال الصدقات بفارس وكرمان معقودة على أبي عيسى أحمد بن بدر العم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015