القديمة بعيدةً من دجلة فأخرج أحمد بن بدر عم السيدة أم المقتدر بالله مسناةً لداره المجاورة له إلى الماء، وفعل عبيد الله بن القاسم مثل ذلك من الجانب الآخر، وبقيت دار أخي مستورة بينهما، فخاطبه أبو إسحاق إبراهيم أخونا في ذلك، وأعلمه ما في إخراج المسناة حتى توازنهما من الزيادة في قيمة العقار، وكانت الذراع على دجلة في المواضع الرذلة على ذلك العهد تباع بدينار عيناً. فقال له: قدر لها ولما يبنى عليها ما يحتاج إليه من النفقة. فقدر لذلك مائة ألف درهم، وصور البناء، وأحضره الصورة والتقدير. فأقام أبو إسحاق يحثه على إطلاق المال والابتداء بالعمل، والوزير يعده ويدفعه، حتى إذا اجتمع في خزانته ما جعله لذلك من ارتفاع ضيعته، تقدم إلى خازنه بإحضاره ودعا بعبد الوهاب بن أحمد بن ما شاء الله، فأعطاه إياه، وأمره بصرفه في ضعفاء آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي فقراء المسلمين ومساكينهم بعد أن أثبتهم في ديوانه، ففعل، وأخرج جميع المال وفرقه عليهم. وحضر أبو إسحاق، فذكره بالعمل والأمر بتقديمه قبل زيادة دجلة، فضحك إليه وقال لابن ما شاء الله: حدثه يا أبا القاسم بحديث العقار الذي ابتعنا، وتجاوزه في النفع هذا البناء الذي لا يزيد الله من حاوله إلا إثماً وبعداً. فحدثه، فحار أبو إسحاق، وما أمكنه الجواب، وعلم أنه كان من وعده على غرور. وبقي ماء داره محبوساً، وسمي الفضاء بين المسناتين الستيني. وكان أبو إسحاق إبراهيم بن هلال جدي ابتاع دار عبيد الله بن القاسم من أبي الحسن بن أبي عمرو الشرابي حاجب الخلافة بخمسة آلاف دينار، وكانت مسناتها طاعنةً في دجلة لا يفارقها الماء في سائر أوقات السنة.